يحتمل هذا العقل ولا يقبله القلب . قلت : أقررت أنّها حدثت في الشجرة ؟ قال : نعم و لكنّي لا أعرف أنّها مصنوعة فهل تقدر أن تقرّرني بذلك ؟ قلت : نعم أرأيت أنّي إن أريتك تدبيراً أتقرُّ أنَّ له مدبّراً ، وتصويراً أنَّ له مصوِّراً ؟ . قال : لا بدّ من ذلك .
قلت : ألست تعلم أنَّ هذه الإهليلجة لحم ركّب على عظم فوضع في جوف متّصل (١) بغصن مركّب على ساق يقوم على أصل فيقوى بعروق من تحتها على جرم متّصل بعض ببعض ؟ قال : بلى . قلت : ألست تعلم أنَّ هذه الإهليلجة مصوّرة بتقدير وتخطيط ، وتأليف و تركيب وتفصيل متداخل بتأليف شيء في بعض شيء ، به طبق بعد طبق وجسم على جسم ولون مع لون ، أبيض في صفرة ، ولين على شديد ، (٢) في طبائع متفرّقة ، وطرائق مختلفة ، وأجزاء مؤتلفة مع لحاء تسقيها ، وعروق يجري فيها الماء ، وورق يسترها وتقيها من الشمس أن تحرقها ، ومن البرد أن يهلكها ، والريح أن تذبلها ؟ (٣) قال : أفليس لو كان الورق مطبقاً عليها كان خيراً لها ؟ قلت : الله أحسن تقديراً لو كان كما تقول لم يصل إليها ريح يروّحها ، ولا برد يشدّدها ، ولعفنت عند ذلك ، ولو لم يصل إليها حرّ الشمس لما نضجت ، ولكن شمسٌ مرّةً وريحٌ مرَّةً وريحٌ وبردٌ مرَّة قدّر الله ذلك بقوَّة لطيفة ودبّره بحكمة بالغة .
قال : حسبي من التصوير فسّر لي التدبير الّذي زعمت أنّك ترينه . قلت : أرأيت الإهليلجه قبل أن تعقد إذ هي في قمعها ماء بغير نواة ولا لحم ولا قشر ولا لون ولا طعم ولا شدّه ؟ قال : نعم . قلت : أرأيت لو لم يرفق الخالق ذلك الماء الضعيف الّذي هو مثل الخردلة في القلّة والذلّة ولم يقوّه بقوّته ويصوّره بحكمته ويقدّره بقدرته هل كان ذلك الماء يزيد على أن يكون في قمعه غير مجموع بجسم وقمع وتفصيل ؟ فإن زاد زاد ماءاً متراكباً غير مصوّر ولا مخطّط ولا مدبّر بزيادة أجزاء ولا تأليف أطباق . قال : قد أريتني من تصوير شجرتها وتأليف خلقتها وحمل ثمرتها وزيادة أجزائها وتفصيل تركيبها أوضح
________________________
(١) وَفي نسخه : موضوع على جرم متصّل .
(٢) في نسخه : ولين مع لين ولين على شدة .
(٣) ذبل النبات : قل ماؤه وذهبت نضارته .