و « صَبِيًّا » حالٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ فيهِ.
أو تامَّةٌ و « صَبِيًّا » حالٌ مُؤكِّدَةٌ وهي لإيقاعِ مَضْمُونِ الجملةِ في زمانٍ ماضٍ منهم لِبَعيدِهِ وَقَريبهِ وهي هنا لقَريِبِهِ خاصَّةً بدَليلِ أَنَّهُ مَسُوقٌ للتَّعَجُّبِ ، والمعنى : كيف من كان بالأمس وقريباً من هذا الوقتِ في المَهْدِ ، وغَرَضُهُم من ذلك استِمرارُ حالِ الصَّبِيِّ بهِ لم يَبْرَحُ عنهُ بعد ، ولو قيلَ : من هو في المَهْدِ ، لم تَكُنْ فيهِ تلكَ الوَكادَةُ من حيثُ إنَّ السَّابِقَ كالشَّاهِدِ.
ويَجُوزُ أن يكونَ « نُكَلِّمُ » حِكايَةَ حالٍ ماضِيَةٍ ، أَي كَيْفَ عُهِدَ قَبْلَ عِيسى أَن يُكَلِّمَ النَّاسُ صَبيّاً في المَهْدِ فيما سَلَفَ من الزَّمانِ حتَّى نُكَلِّمَ هذا ، وحاصِلُهُ : كَيْفَ نُكَلِّمُ المَوصُوفينَ بأَنَّهُم في المَهْدِ؟! أَي ما كَلَّمْناهُم إلى الآنِ ، والعدول عن الماضي إلى الحالِ لإفادَةِ التَّصويرِ والاستِمرارِ ، وهذا وَجْه حَسْنٌ مُلائِمٌ.
( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) (١) فِراشاً وقُرِئَ : « مَهْداً » (٢) على معنى : أَنَّها لهم كالمَهْدِ للصَّبيِّ ، أو بمعنى : ذاتَ مَهْدٍ.
( وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) (٣) ساءَ ما مَهَّدَ لنَفْسِهِ ، أَو ما يُمَهَّدُ لأَجلِهِ ، فإِنَّ المُعَذَّبَ في النَّارِ يُلْقَى على النَّارِ كما يُوضَعُ الشَّخْصُ على الفِراشِ.
( وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ) (٤) سَهَّلْتُ لَهُ التَّصَرُّفَ في الأُمُور الدُّنيويه تَسْهيلاً وبَسَطْتُ لهُ في العيشِ بَسْطاً حتَّى صارَ مَكْفِيّ المَؤُونَةِ من كُلِّ وَجْهٍ ، أَو هَيَّأتُ لهُ الجاهَ العَريضَ والرِّياسَةَ في قَوْمِهِ فأَتمَمْتُ عليهِ نِعْمَتِي الجاهَ والمالَ ، واجتِماعُهُما هو الكَمالُ عندَ أهلِ الدُّنيا ، ومنهُ قولهم : أدامَ اللهُ تَأييدَكَ وَتَمْهيدَكَ ، يُريدُونَ زِيادَةَ الجاهِ والحِشْمَةِ.
__________________
(١) النّبأ : ٦.
(٢) وهي قراءة مجاهد وعيسى وبعض الكوفيين ، انظر البحر المحيط ٨ : ٤١١.
(٣) البقرة : ٢٠٦.
(٤) المدثّر : ١٤.