والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحاً .
بيان : ما استودعه على البناء للمجهول أي ما جعلت عنده وديعةً وطلبت منه حفظه . قوله عليهالسلام والامتناع عن الجواب ، أي عند عدم مظنّة ضرر في الجواب فإنّ الامتناع حينئذ إمّا للجهل به أو للجهل بمصلحة الوقت فإنّ الصلاح حينئذ في الجواب فقوله عليهالسلام : ونعم العون كالاستثناء ممّا تقدّم ، وسيجييء أخبار تناسب هذا الباب في باب تركيب الإنسان وأجزاءه .
١١ ـ ف : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حوارييّ عيسى حيث قال : أخبرني عن العقل ما هو وكيف هو ؟ وما يتشعّب منه وما لا يتشعّب ؟ وصف لي طوائفه كلّها . فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ العقل عقال (١) من الجهل ، والنفس مثل أخبث الدوابّ فإن لم تعقل حارت (٢) فالعقل عقال من الجهل ، وإنّ الله خلق العقل ، فقال له أقبل فأقبل ؛ وقال له أدبر فأدبر ؛ فقال الله تبارك وتعالى : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك ، ولا أطوع منك ، بك أبداُ وبك اُعيد ، لك الثواب وعليك العقاب ، فتشعّب من العقل الحلم ، ومن الحلم العلم ، ومن العلم الرشد ، و من الرشد العفاف (٣) ومن العفاف الصيانة ، ومن الصيانة الحياء ، ومن الحياء الرزانة ، ومن الرزانة المداومة على الخير ، ومن المداومة على الخير كراهية الشرّ ، ومن كراهية الشرّ طاعة الناصح .
فهذه عشرة أصناف من أنواع الخير ، ولكلّ واحد من هذه العشرة الأصناف عشرة أنواع : فأمّا الحلم فمنه : ركوب الجهل ، وصحبة الأبرار ، ورفع من الضعة (٤) ورفع من الخساسة ، وتشهّي الخير ، ويقرّب صاحبه من معالي الدرجات ، والعفو ، والمهل (٥)
________________________
(١) بكسر العين : حبل يشد به البعير في وسط ذراعه
(٢) أي هلكت .
(٣) بفتح العين : الكف عما لا يحل أو لا يجمل .
(٤) بكسر الضاد وفتحها : حط النفس .
(٥) بفتح الميم وسكون الهاء وفتحها : الرفق والتؤدة في العمل ، والتقدم في الخير ، والمعنى الاول هو المراد هنا .