وإِن قُطِعا لفظاً ومعنىً أُعْرِبا منوَّنينِ ؛ كقراءةِ بعضِهم : ( مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ ) (١) ـ بالجرِّ والتّنوينِ ـ وكقولهِ :
فَما شَرِبوا بَعْداً عَلَى لذَّةٍ خَمْرا (٢)
وقوله :
فَسَاغَ لِيَ الشَّرابُ وكُنْتُ قَبلاً (٣)
قالَ سيبويهِ : وقالوا : « بَعْدَكَ » يحذِّرهُ شيئاً من خلفِهِ (٤).
وجِئتُ بَعْدَيْكُما ، أَي بَعْدَكُما.
وأَمَّا بَعْدُ : يسمَّى مجموعُهُما فَصْلَ الخِطابِ ؛ لأَنَّهم إِذا افتَتَحوا الكلامَ في الأَمرِ الَّذي له شأنٌ بذِكْرِ اللهِ وتحميدِهِ ، ثمَّ أَرادوا الخروجَ إِلى الغرضِ المسوقِ له فَصَلُوا بينَه وبينَ ذِكْرِ اللهِ بقولهم : أَمّا بَعْدُ ، ( أي بعدَ ذكرِ اللهِ ) (٥).
وأَوَّلُ مَن قالَهُ داودُ أَو يَعقوبُ عليهماالسلام ، أَو يَعْرُبُ بنُ قحطانَ ، أَو سَحبانُ وائلٍ ، أَو قُسُّ بنُ ساعدةَ. وتُجمَعُ الأَقوالُ بالحملِ على الأَوَّليّةِ بالنِّسبةِ إِلى القبائِلِ.
وإِذا أَرادوا تقريبَ الزَّمانِ أَو المكانِ صغَّروا « بَعْد » و « قَبْل » وقالوا : جئتُهُ بُعَيْدَ العصرِ وقُبَيْلَهُ ، وداري بُعَيدَ دارِكَ وقُبَيْلَها ، ومنه : لقيتُهُ بُعَيدَاتِ بَيْنٍ ، أَي فِراقٌ ، يقولُ ذلك مَنْ أَمسَكَ عن لقاءِ صاحبِهِ ثمَّ أَتاهُ ثمَّ أَمسَكَ عنه نحو ذلك ثمَّ أَتاهُ. ومعنى التّصغير : تقريبُ زمانِ اللِّقاءِ بعدَ الفراقِ.
بَعْدَانُ ، كحَمْدانَ : مِخلافٌ باليَمَنِ يقالُ له : البَعْدانية (٦).
__________________
(١) قرأ بها أَبو السّمال ، والجحدري ، وعون ، والعقيلي. انظر معجم القراءات القرآنيه ٥ : ٦٤.
(٢) خزانة الأدب ٦ : ٤٥٢ وفي اصلاح المنطق : ١٤٦ ، واللّسان : بعدٌ بدل : بعداً ، وصدره :
ونحن قتلنا الأزدَ أزدَ شنوءَةٍ
وروايته في بعض المصادر :
ونحن قتلنا الأُسدَ أُسدَ خفيَّةٍ
(٣) هو منسوب إلى النّابغة الذّبياني ، كما في ديوانه : ١٣٢ ، وعجزه :
أَكادُ أَغصُّ بالماءِ الحميم
(٤) الكتاب ١ : ٢٤٩.
(٥) ما بين القوسين ليس في « ت » و « ش ».
(٦) في النّسخ : السّعدانية ، والمثبت عن معجم البلدان ١ : ٤٥٢.