الناسِ ( للانفراد ) (١) بالعبادةِ. و « ابْتَدَعُوها » أي ابتدأوها وأحدثوها من عندِ أنفسِهِم ، وليس المرادُ بذلك طريقةَ الذمِّ ، بل بيانُ أنّها لم تُفْرَضْ عليهِم وإنّما ابتدعوها ابتغاءَ رضوانِ اللهِ.
( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ) (٢) أَرْهَبُوهُم إِرْهاباً شديداً ؛ كأنّهُم استدعَوا رَهْبَتَهُم ؛ إذ لا بدَّ للزيادةِ من معنى. وقال الزجّاجُ : اشتدّتْ رَهْبَةُ الناسِ فبَعَثوا جماعةً ينادونَ عندَ إلقاءِ العِصِيِّ والحِبالِ : أيّها الناسُ احذَرُوا ، فهذا هو الاسْتِرْهابُ (٣).
( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (٤) الفاءُ جزائيّةٌ دالّةٌ على تضمّنِ الكلامِ معنى الشرطِ ، كأنّه قيل : إن كنتُم راهِبِينَ شيئاً فَارْهَبُونِ. و « إِيَّايَ » منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ دَلَّ عليه المذكورُ ، تقديرُهُ : وإِيَّايَ فارْهَبَوا. فَارْهَبُونِ ، ولا يجوزُ أنْ يكونَ منصوباً بالمذكورِ ؛ لأنّه قد تعدّى إلى مفعولِهِ.
الأثر
( إِنِّي لَأَسْمَعُ الرَّاهِبَةَ ) (٥) هي الحالةُ التي تُرْهِبُ وتُفِزعُ.
( لَا رَهْبَانِيَّةَ في الإِسْلَامِ ) (٦) هي فعلُ الرُّهْبانِ من التعبّداتِ الشاقّةِ ، كلُبسِ المُسوحِ ، ورفضِ النِّكاحِ وأكلِ اللحمِ ، حتّى كان منهُم من يخصي نفسَهُ ، ويخرُقُ تَرقُوَتَهُ ويَضَعُ فيها السلسلةَ. أرادَ أنّ اللهَ وَضَعَ هذا عن المسلمينَ ، وبَعَثَهُ بالحَنِيفيّةِ السهلةِ السَّمحةِ.
( عَلَيْكُمْ بِالجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي ) (٧) يُريدُ أنّ الرُّهْبانَ وإنْ تَرَكوا الدنيا فلا تَرْكَ أكثرُ من بذلِ النفسِ ،
__________________
(١) ليست في « ت » و « ج ».
(٢) الأعراف : ١١٦.
(٣) عنه في التفسير الكبير للرازي ١٤ : ٢٠٣ بتفاوت.
(٤) البقرة : ٤٠.
(٥) النهاية ٢ : ٢٨١.
(٦) الفائق ٢ : ١٢٢ ، النهاية ٢ : ٢٨٠.
(٧) مسند أحمد ٣ : ٨٢ و ٢٦٦ ، النهاية ٢ : ٢٨١.