والباقونَ كيَقْتُلُ ؛ أَي لا يغيب ولا يبعُدُ عن علمِهِ شيءٌ أَصلاً وإِن كان في غاية الحقارةِ.
وقيل : يَعْزُبُ بِمعنى يَبينُ وينفصِلُ ، ليصحَّ الاستثناءُ ، أَي : لا يصدُر عن رَبِّك شيءٌ إِلاَّ مثبّتاً في كتاب مبين ؛ وهو اللّوح المحفوظ ، وإلاّ يلزم منه على تفسير ( يَعْزُبُ ) بِـ « يَبْعُدُ » أَن يكون ذلك الشّيءُ الّذي في الكتاب المبين خارجاً عن علمِهِ تعالى ؛ إِذ التقديرُ حينئذٍ « لا يَعْزُبُ عنه شيءٌ في الأَرضِ ولا في السّماءِ إِلاَّ في كتابٍ » إِذا عطف قوله : ( وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ ) على لفظِ ( مِثْقالِ ذَرَّةٍ ) في قراءة النّصب على أنَّ الفتح بدل الكسر ؛ لامتناع الصّرف ، أَو على محلِّه مع الجارِّ في قراءة الرّفع ؛ لأَنَّه فاعل يَعْزُبُ.
وأُجيبَ بجعل الاستثناءِ حينئذٍ منقطعاً ؛ كأَنَّه قيل : لا يَعْزُبُ عن ربِّكَ شيءٌ ما ، لكنَّ جميع الأَشياءِ في كتابٍ مبينٍ فكيف يَعْزُبُ عنه شيءٌ منها؟!
أَو بجعلِه متَّصلاً ، والمراد بالكتاب المبين علمَهُ تعالى ، فيكون المعنى : لا يغيبُ عنه شيءٌ مَّا إِلاَّ في علمِهِ ، ومعلومٌ أَنَّ غيبةَ الشّيءِ في العلمِ عينُ كشفِهِ ، ونظيرُهُ قولك : فلانٌ لا ينسى إِلاَّ في حفظِهِ ، وإِن فُسِّرَ باللّوحِ المحفوظِ أَيضاً فلا بأْسَ ؛ لأَنَّهُ محلُّ صوَرِ معلوماتِهِ.
الأَثر
( مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ أَرْبَعينَ لَيْلَةً فَقَدْ عَزَّبَ ) (١) بالتّشديد ، أَي أَبعدَ العهدَ بأَوَّله وأَبطأَ في تلاوتِهِ.
( فَأَصْبَحُوا بِأَرْضٍ عَزُوبَةٍ ) (٢) بالفتح صفةٍ لـ « أَرْضٍ » ، أَي بعيدةِ المرعى.
( تَجِدُوهُ مُعْزِباً ) (٣) كمُكْرِم ، طالباً للكلإِ العازِب ، وهو البعيدُ عنِ النّاسِ.
__________________
(١) الفائق ٢ : ٤٢٦ ، النّهاية ٣ : ٢٢٧. وفيهما : في أربعين.
(٢) الفائق ٢ : ٤٢٣ ، النّهاية ٣ : ٢٢٧.
(٣) النّهاية ٣ : ٢٢٧.