وثانيها : إنّ الهدى عبارة عن الدليل ، دون نفس العمل ، وإذا ثبت هذا فنقول : دليل إثبات شرعهم كان مخصوصاً بتلك الأوقات ، لا في غير تلك الأوقات ، فكان الاقتداء بهم في ذلك الهدى هو أن يعلم بوجوب تلك الأفعال في تلك الأوقات فقط ، وكيف يستدل بذلك على اتباعهم في شرائعهم في كلّ الأوقات؟
وثالثها : إنّ كونه عليه الصلاة والسلام متّبعاً لهم في شرائعهم ، يوجب أنْ يكون منصبه أقل من منصبهم ، وذلك باطل بالاجماع.
فثبت بهذه الوجوه أنّه لا يمكن حمل هذه الآية على وجوب الإقتداء بهم في شرائعهم.
والجواب عن ... الثالث : إنّه تعالى أمر الرسول بالاقتداء بجميعهم في جميع الصفات الحميدة والأخلاق الشريفة ، وذلك لا يوجب كونه أقل مرتبة منهم ، بل يوجب كونه أعلى مرتبةً من الكلِّ ، على ما سيجئ تقريره بعد ذلك إن شاء الله تعالى. فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن شرع من قبلنا يلزمنا.
المسألة الثانية : ـ إحتجّ العلماء بهذه الآية على أنّ رسولنا صلّى الله عليه وسلّم أفضل من جميع الأنبياء عليهمالسلام ، وتقريره هو :
أنّا بيّنا أنّ خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم بأجمعهم :
فداود وسليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة.
وأيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء.
ويوسف كان مستجمعاً لهاتين الحالتين.
وموسى عليهالسلام كان صاحب الشريعة القوية القاهرة ، والمعجزات الظاهرة.
وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، كانوا أصحاب الزهد.