__________________
ليلة باردة ، لم نر قبلها ولا بعدها بردا كان أشد منه ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله اللّه معي يوم القيامة» ، فسكتنا ، فلم يجبه أحد .. وذلك ثلاث مرّات ، فدعاني فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم ، فقمت ، فقال : «اذهب وائتنا بخبر القوم ، ولا تذعرهم ، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع» ، ثم قال : «اللّهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته حتى يرجع ، فلأن يكون ذلك أو مثله كان أحب إليّ من الدنيا وما فيها» .. فانطلقت فوجدتهم قد ارسل عليهم ريح فقطعت أطنابهم ، وكسرت آنيتهم ، وذهبت بخيولهم ، ولم تدع لهم شيئا إلاّ أهلكته ، ورأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار ، فقام أبو سفيان ، فقال : يا معشر قريش! لينظر امرؤ من جليسه ، قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي فقلت من أنت؟ قال : أنا فلان بن فلان ، ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش! إنكم واللّه ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من هذه الريح ما ترون ، واللّه ما يطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإنّي مرتحل .. ثم قام إلى جمله وهو معقول ، فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث فما اطلق عقاله إلاّ وهو قائم ، ولو لا عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إليّ لا تحدث شيئا حتى تأتيني ثمّ لو شئت لقتلته بسهم ، قال حذيفة : ثم رجعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو قائم يصلى في مرط لبعض نسائه مرجل ، فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح عليّ طرف المرط ، ثم ركع وسجد وإنّي لفيه ، فلما سلّم أخبرته الخبر ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا إلى بلادهم.
السيرة النبوية لابن كثير ٢١٨/٣ ، تاريخ الطبري ٢٤٤/٢.
انظر : سيرة ابن هشام ٢٥١/٣ ، البداية والنهاية ١٣٠/٤ ، مسند أحمد بن حنبل ٣٩٣/٥ ، تفسير ابن كثير ٤٧٩/٣.
حذيفة وسقيفة بني ساعدة
قال البراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محبّا ، فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خفت أن تتمالا قريش على اخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ، فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم في الحجرة وأتفقد وجوه