________________
من غير راع وعاصم ، فأجابه الرجل مداعبا : بأنّهنّ في طلب العلف والماء ، فقال بهلول : كيف مع قلة الحمى والمنع الشديد ، فو اللّه لقد كان العلف كثيرا فحصدوه ، والخصب واسعا فبنارهم أفسدوه ، ثم أنشد :
برئت إلى اللّه من ظالم |
|
بسبط النبي أبي القاسم |
ودنت إلهي بحبّ الوصيّ |
|
وحبّ النبي أبي فاطم |
وذلك حرز من الصائبات [خ. ل : النائبات] |
|
ومن كل متهم غاشم |
بهم أرتجي الفوز يوم المعاد |
|
وآمن من نقمة الحاكم |
فلما سمعت الجماعة منه الكلام رجعوا إليه ، وقالوا له : هؤلاء يمشون إلى بيت الوالي محمد بن سليمان بن عمّ الرشيد ، فإنّ عمر بن عطاء العدوي ـ الذي هو من أسباط عمر بن الخطاب ـ ويدعي العلم والفضائل هناك ، ونحن نريد استعلام حاله ، وإن أنت وافقتنا في المناظرة معه إذ ذاك فلنعم المطلوب ، فقال بهلول : يا ويحكم! إنّ الجدل مع الخاطى يجرئه على عصيانه ، وربّما يلقي بذلك أرباب البصيرة في الشبهات ، وليس في اللّه شك ، ولا في الحقّ تشبّه والتباس ، ولو أنّكم كنتم عرفاء بالحقّ لقنعتم بما أخذتموه من أهله ، قال : فلمّا يئست الجماعة منه ، وحضروا المجلس ، قصّوا على ابن سليمان القصّة ، فأمر بشخوصه ، فلمّا قرب بهلول من البيت قام عمر والتمس من الوالي الإذن في مناظرته ، فأذن له ، ثم لمّا ورد بهلول ، قال : السلام على من اتبع الهدى وتجنب الضلالة والغوى ، فقال عمر : وعلى المسلمين السلام ، اجلس يا بهلول! فقال بهلول : ويح لك! تأمرني بأمر ليس لك ، وتتقدم فيه على من فضله عليك ظاهرا ، وإنّ مثلك فيه مثل من تطفّل على مائدة ويريد أن يمنّ بها على غيره ، فبهت ابن عطا ولم يتكلّم بعد ، فقال له الأمير : كيف سكتّ من البدو ، وأنت قد سألتني الرخصة في مخاصمته؟ فقال : أيها الأمير! ولا بدع في ذلك من أمر اللّه ، أما قرأت في كلامه تبارك وتعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّٰهُ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ) [سورة البقرة (٢) : ٢٥٨]. فأشار إليه الأمير بالجلوس ، وقال : إنّ المجلس مني وأنا آذن لك ، فدعا له بهلول ، وقال : عمّر اللّه مجلسك ، وأسبغ نعمه