يقول بثلاثة أشياء لا أرتضيها : يقول : الشيطان يعذب بالنار ، كيف؟ وهو من النار. ويقول : إنّ اللّه لا يرى ولا تصح عليه الرؤية ، وكيف لا تصح الرؤية على موجود؟ ويقول : إنّ العبد هو الفاعل لفعله ، والنصوص بخلافه ..! فأخذ البهلول حجرا وضربه به فأوجعه.
فذهب أبو حنيفة إلى هارون ، واستحضروا البهلول ووبّخوه على ذلك. فقال لأبي حنيفة : أرني الوجع الذي تدّعيه أولا ، فأنت كاذب ، وأيضا فأنت من تراب ، كيف تألّمت من تراب ، ثم ما الذي أذنبته إليك ، والفاعل ليس هو العبد بل اللّه .. فسكت أبو حنيفة وقام خجلا.
وأقول : ينبغي أن يكون ذهاب أبي حنيفة إلى المنصور دون هارون ؛ لأنّ أبا حنيفة مات سنة مائة وخمسين ، ومات المنصور سنة مائة وثمان وخمسين ، ويومئذ لم يكن هارون خليفة ، وإنّما كان الخليفة المنصور.
ثم إنّه نقل من كتاب الإيضاح (١) لمحمد بن جرير بن رستم الطبري أنّ البهلول
________________
حمد اللّه المستوفي القزويني ـ من مؤرخي القرن السابع ـ في كتابه ، تاريخ گزيده : ٦٣٧ ـ ٦٣٨ ما ترجمته من الفارسية : الشيخ بهلول ، يقال : إنّه ابن عمّ هارون الرشيد ، ذهب في بعض الأيام إلى مجلس الخليفة فقال له ـ وقد بنى قصرا عاليا ـ : يا بهلول! اكتب شيئا لهذه البناية والقصر ، فرفع بهلول قطعة فحم وكتب : رفعت الطين ووضعت الدين ، رفعت الجصّ ووضعت النصّ ، إن كان من مالك فقد أسرفت .. واللّه لا يحبّ المسرفين ، وإن كان من مال غيرك .. فقد ظلمت واللّه لا يحبّ الظالمين.
ونقل أيضا إنّ هذين البيتين لبهلول كتبها على عمارة هارون الرشيد :
تقبّل ايها المأمون نصحي |
|
ولا تنظر إلى قصر مشيد |
فإنّك ميت من غير شكّ |
|
كموت أبيك هارون الرشيد |
(١) حكى القصة في روضات الجنات ١٥٢/٢ ـ ١٥٤ تحت رقم (١٥٨) عن تاريخ الطبري ، عن كتاب الإيضاح بتفصيل أكثر وهو : مرّ بهلول يوما على بعض زقاق البصرة ، فرأى جماعة يسارعون في المشي أمامه ، فقال لواحد منهم : إلى أين تعدو هذه البهائم