أعداء الدين ، منها (١) : أنّه سمع أبا حنيفة يقول : إنّ جعفر بن محمّد عليهما السلام
________________
وفي المجالس : إنّ الرشيد لما أجمع أمره على قمع أثر مولانا الكاظم عليه السلام ، وجعل يحتال في ذلك أرسل إلى حملة الفتيا يستفتيهم عن إباحة دمه المعصوم عليه السلام ، متهما إيّاه بداعية الخروج ، فأفتوا ـ قاتلهم اللّه جميعا ـ بالإباحة سوى البهلول ـ وكان منهم ـ فإنه لقي في سرّه الإمام عليه السلام ، وأخبره بالواقعة ، وطلب منه الهداية إلى طريق النجاة. فأشار عليه السلام بالتجنن في أعينهم وإظهار السفه والهذيان صيانة لنفسه ودينه ، وإقدارا له على إحقاق الحق وإبطال الباطل كما يريد.
قلت : ويؤيد ذلك ما نقله السيد نعمة اللّه التستري رحمه اللّه في حق الرجل في كتابه الموسوم ب : غرائب الأخبار ، قال : روي أنّ هارون الرشيد أراد أن يولّي أحدا قضاء بغداد ، فشاور أصحابه ، فقالوا : لا يصلح لذلك إلاّ بهلول ، فاستدعاه وقال : يا أيها الشيخ الفقيه أعنّا على عملنا هذا ، قال : بأيّ شيء أعينك؟ قال : بعمل القضاء ، قال : أنا لا أصلح لذلك ، قال : أطبق أهل بغداد على أنك صالح لهذا العمل ، فقال : يا سبحان اللّه! إني أعرف بنفسي منهم ، ثم إني في إخباري عن نفسي بأني لا أصلح للقضاء لا يخلو أمري من وجهين : إما أن أكون صادقا ، فهو ما أقول ، وإن كنت كاذبا ، فالكاذب لا يصلح لهذا العمل .. فألحّوا عليه وشدّدوا ، وقالوا : لا ندعك أو تقبل هذا العمل ، قال : إن كان ولا بدّ فأمهلوني الليلة حتى أفكّر في أمري .. فأمهلوه ، فخرج من عندهم ، فلمّا أصبح في اليوم الثاني تجانن ، وركب قصبة ، ودخل السوق ، وكان يقول : طرّقوا .. خلّوا الطريق لا يطأكم فرسي ، فقال الناس : جنّ بهلول ، فقيل ذلك لهارون ، فقال : ما جنّ ، ولكن فرّ بدينه منّا ، وبقي على ذلك إلى أن مات ، وكان من عقلاء المجانين.
ويؤيد أيضا صدق هذه النسبة إليه ، ما نقل في أخبارنا المعتبرة من صدور الأمر بالتجنن عن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام بالنسبة إلى جابر الجعفي ـ وهو أيضا من حملة أسرارهم الأخيار المقربين ـ حين خروجه إلى الكوفة من خدمة الإمام عليه السلام ، وكان وإلي الكوفة قد أمر بإرسال رأسه إلى الخليفة لكثرة ما كان ينشره فيهم من مناقب المعصومين عليهم السلام ، فصار ذلك منشأ لخلاصه ، وعذرهم إيّاه بعد شهادة أهل البلد بجنونه ، إلاّ أنّ جنون جابر كان من قبيل الأدواري ، ومختصا بتلك الواقعة ، بخلاف جنون بهلول المطبق أوقاته طول حياته ، لشدة التقية في زمانه الذي هو إلى أواخر زمان المتوكل الملعون ، بخلافها في زمن الصادقين عليهما السلام كما لا يخفى.
(١) ذكر هذه القصة في مجالس المؤمنين ١٤/٢ ـ ١٥ ، وروضات الجنات ١٤٧/٢ ، وقال