مسألة ٧٥: لو وقف دارا في مرض موته على ابنه الحائز،
صحّ الوقف عندنا.
و قالت الشافعيّة: إن أبطلنا الوصيّة للوارث، فالوقف باطل، و إن اعتبرناها موقوفة على الإجازة، قال بعضهم: إن احتملها ثلث ماله لم يكن للوارث إبطال الوقف في شيء منها؛ لأنّ تصرّف المريض في ثلث المال(١) نافذ، فإذا تمكّن من قطع حقّ الوارث عن الثّلث بالكلّيّة فلأن يتمكّن من وقفه عليه و تعليق حقّ الغير به كان أولى، و إن زادت على الثّلث لم يبطل الوقف في قدر الثّلث، و أمّا الزيادة فليس للمريض تفويت ملكها على الوارث، و للوارث الردّ و الإبطال، فإن أجاز فإجازته وقف منه على نفسه إن جعلنا إجازة الوارث ابتداء عطيّة منه، و إن جعلناها تنفيذا، لزم الوقف.
و قال بعضهم: له ردّ الوقف في الكلّ؛ لأنّ الوصيّة بالثّلث في حقّ الوارث كهي بالزيادة في حقّ غيره عندهم، و لهذا فإنّه لو أوصى لأحد الوارثين بشيء قليل، كان للآخر الردّ، فإن أجاز الابن فالحكم في الكلّ على الخلاف في كيفيّة الإجازة(٢).
و أجاب بعضهم عن هذا: بأنّا إنّما جوّزنا لأحد الوارثين إبطال الوصيّة على الثاني؛ لأنّه بالوصيّة فضّله عليه، و نقص حقّ الذي لم يوص له عن عطيّة اللّه تعالى، و هنا لا تفضيل(٣).
و التفريع على جواز الوصيّة للوارث في الجملة، فلينفذ تصرّفه في
١- في الطبعة الحجريّة: «ماله» بدل «المال».
٢- العزيز شرح الوجيز ٣١:٧، روضة الطالبين ١٠٩:٥.
٣- العزيز شرح الوجيز ٣١:٧.
الثّلث المستحقّ في النقل المشهور عن ابن الحدّاد، و عليه تتفرّع [الصّور](١) المذكورة من بعد(٢).
قال الجويني: المسألة مصوّرة فيما إذا نجّز الوقف في مرض موته [و كان الابن إذ ذاك](٣) طفلا فقبله [له](٤) ثمّ مات فحاول الابن الردّ أو الإجازة(٥).
لكنّه لا حاجة إلى هذا الفرض؛ لأنّه و إن كان بالغا و قبل بنفسه لم يمتنع عليه الردّ بعد الموت؛ إذ الإجازة المعتبرة هي الواقعة بعد الموت(٦).
مسألة ٧٦: لو كان له ابن و بنت فوقف ثلثي داره على ابنه و الثّلث على البنت،
فإن خرجت الدار من الثّلث لم يكن لهما الردّ؛ لأنّه لم يفضّل و لم يغيّر عطيّة اللّه تعالى، و إن زادت على الثّلث فلهما ردّ الوقف في الزيادة.
و لو وقفها عليهما نصفين و احتملها الثّلث، صحّ عندنا أيضا،
١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الصورة». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز ٣١:٧، و روضة الطالبين ١٠٩:٥.
٢- العزيز شرح الوجيز ٣١:٧، روضة الطالبين ١٠٩:٥.
٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أمّا إذا كان الابن». و هي كما ترى، و المثبت كما في نهاية المطلب للجويني و كما هو موافق لما في روضة الطالبين نقلا عنه، و في العزيز شرح الوجيز كما في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة.
٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
٥- نهاية المطلب ٩٨:١١، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٣١:٧-٣٢، و روضة الطالبين ١٠٩:٥.
٦- قوله: «لكنّه... الموت» من كلام الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٣٢:٧، و نقله النووي أيضا في روضة الطالبين ١٠٩:٥.
و لم يكن لهما الردّ.
و قالت الشافعيّة: إن رضي الابن فهي كما لو وقف، و إلاّ فظاهر قول ابن الحدّاد: أنّ له ردّ الوقف في ربع الدار؛ لأنّه لمّا وقف عليه النصف كان من حقّه أن يقف على البنت الرّبع، فإذا زاد كان للابن ردّه، ثمّ لا يصير شيء منه وقفا عليه، فإنّ الأب لم يقف عليه إلاّ النصف، بل يكون الرّبع المردود بينهما أثلاثا ملكا، و يقسّم من اثني عشر؛ للحاجة إلى عدد له ثلث ربع، فتسعة منها وقف عليهما، و ثلاثة ملك، و كلاهما بالأثلاث(١).
و قال بعضهم: ليس للابن إبطال الوقف إلاّ في سدس الدار؛ لأنّه إنّما يحتاج إلى إجازته فيما هو حقّه، و حقّه منحصر في ثلثي الدار، و قد وقف عليه النصف، فله استخلاص تمام حقّه، و هو السّدس، أمّا الثّلث الآخر فهو حقّها، فلا معنى لتسلّطه على بطلان الوقف فيه. نعم، تتخيّر إن شاءت أجازت، فيكون كلّه وقفا عليها، و إن شاءت ردّت الوقف في نصف سدس الدار، و حينئذ فتكون القسمة على ما سبق، و النسبة بين وقفها و ملكها كالنسبة بين وقفه و ملكه(٢).
مسألة ٧٧: لو وقف الدار على ابنه و زوجته نصفين،
و لا وارث له غيرهما، فإن أجازا و خرجت من الثّلث صحّ الوقف، و إلاّ صحّ في قدر الثّلث، و كان الباقي طلقا.
و قال ابن الحدّاد من الشافعيّة: قد نقص عن حقّ الابن ثلاثة أثمان الدار، و هي ثلاثة أسباع حقّه؛ لأنّ سبعة أثمان الدار له، و لم يقف عليه إلاّ أربعة أثمانها، و هي أربعة أسباع حقّه، فله ردّ الوقف في حقّها من الدار
١- البيان ٨٤:٨، العزيز شرح الوجيز ٣٢:٧، روضة الطالبين ١٠٩:٥-١١٠.
٢- العزيز شرح الوجيز ٣٢:٧، روضة الطالبين ١١٠:٥.
- و هو الثّمن - إلى أربعة أسباعه، ليكون الوقف عليها من نصيبها كالوقف عليه من نصيبه، و يكون الباقي بينهما أثمانا ملكا، فتكون الفريضة من ستّة و خمسين؛ لأنّا نفتقر إلى عدد لثمنه سبع، فيكون أربعة أسباع الدار كلّها - و هي اثنان و ثلاثون - وقفا، ثمانية و عشرون منها وقف على الابن، و أربعة على الزوجة، و الباقي - و هو أربعة و عشرون - ملكا بينهما، منها أحد و عشرون للابن، و ثلاثة للزوجة(١).
و قال بعضهم: ليس له ردّ الوقف إلاّ في تتمّة حقّه، و هو ثلاثة أثمان الدار، و أمّا الثّمن فالخيار فيه للزوجة(٢).
و لو وقف ثلث الدار على ابنه و ثلثيها على ابنته و لا وارث له سواهما، فعلى قول ابن الحدّاد إنّه نقص من نصيب الابن ثلث الدار؛ لأنّه يستحقّ ثلثيها، و لم يقف عليه إلاّ الثّلث، و ذلك نصف نصيبه، فله ردّ الوقف في نصف نصيبها، و هو سدس الدار، و الباقي يكون بينهما أثلاثا ملكا، و تقع القسمة من ستّة؛ لأنّا نحتاج إلى عدد لثلثه نصف، فيكون نصف الدار وقفا و نصفها ملكا أثلاثا، و على القول الآخر لا يردّ الوقف إلاّ في تتمّة نصيبه، و هي الثّلث، و لها الخيار في السّدس(٣).
مسألة ٧٨: لو أسقط المريض عن وارثه دينا له عليه،
أو أوصى بقضاء دينه الذي عليه للأجنبيّ، أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها، أو عفا عن جناية موجبها المال، صحّ ذلك كلّه من الثّلث، و كان كالوصيّة للوارث تصحّ عندنا من الثّلث من غير إجازة، خلافا للعامّة(٤).
١- العزيز شرح الوجيز ٣٢:٧-٣٣، روضة الطالبين ١١٠:٥.
٢- العزيز شرح الوجيز ٣٣:٧، روضة الطالبين ١١٠:٥.
٣- العزيز شرح الوجيز ٣٣:٧، روضة الطالبين ١١٠:٥.
٤- المغني ٤٤٩:٦، الشرح الكبير ٤٦٣:٦.
و إن عفا عن القصاص و قلنا: الواجب القصاص عينا، سقط إلى غير بدل، و إن قلنا: الواجب القصاص أو الدية - كما هو مذهب بعض العامّة(١) - سقط القصاص، و وجب المال.
و لو عفا عن حدّ القذف، سقط مطلقا.
و لو أوصى لغريم وارثه، صحّت الوصيّة، و كذلك إن وهب له، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(٢).
و قال أبو يوسف: إنّه وصيّة للوارث؛ لأنّ الوارث ينتفع بهذه الوصيّة، و يستوفي دينه منها(٣).
و ليس بجيّد؛ لأنّ الوصيّة إنّما وقعت للأجنبيّ، فصحّ، كما لو أوصى لأجنبيّ عادته الإحسان إلى وارثه.
و لو أوصى لولد وارثه، صحّ.
و قالت العامّة: إن قصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه و بين اللّه تعالى(١).
مسألة ٧٩: لو أوصى بثلث لوارث و أجنبيّ و قال: إن ردّوا وصيّة الوارث فالثّلث كلّه للأجنبيّ،
لم يصح ردّهم؛ لأنّها لم تزد على الثّلث، و الوصيّة للوارث عندنا صحيحة.
و من منع الوصيّة للوارث جوّز لهم الردّ، فيكون الثّلث كلّه للأجنبيّ؛ عملا بالوصيّة(٢).
و لو قال: أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان، صحّ.
١- المغني ٤٥١:٦، الشرح الكبير ٤٦٤:٦-٤٦٥.
٢- المغني ٤٥٦:٦.