الأعيان و المنافع، فإذا أوصى بالمنفعة اعتبر خروجها من ثلث المال، عند علمائنا أجمع، و هو قول كلّ من قال بصحّة الوصيّة بها، فإن لم تخرج من الثّلث أجيز منها ما يحتمله الثّلث - و به قال الشافعي(١) - لأنّها وصيّة صحيحة، فوجب تنفيذها على صفتها إن خرجت من الثّلث، أو بقدر ما خرج من الثّلث، كسائر الوصايا، و كالأعيان.
و قال مالك: إذا أوصى بخدمة عبده سنة، فلم يخرج من الثّلث، فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة و بين تسليم ثلث المال(٢).
و قال أصحاب الرأي و أبو ثور: إذا أوصى بخدمة عبده سنة، فإنّ العبد يخدم الموصى له يوما و الورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة، فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا(٣).
مسألة ٢٦٠: المنفعة الموصى بها إن كانت مؤبّدة،
ففي كيفيّة خروجها من الثّلث أقوال:
أحدها: أن تقوّم الرقبة و المنفعة من الثّلث، كما لو باع بثمن مؤجّل يعتبر قيمته من الثّلث، و ذلك لأنّه حال بينهما و بين الوارث، و الحيلولة كالإتلاف، فإنّ الغاصب يضمن بها، و لأنّ منافع الرقبة و فوائدها قد بطلت على الوارث، فكأنّه فوّتها بالكلّيّة، و لأنّ عبدا لا منفعة له و شجرا لا ثمرة له لا قيمة له غالبا، فوجب أن تقوّم الرقبة بمنفعتها جميعا، و يعتبر خروجها من الثّلث، و هو أحد قولي الشافعي(٤).
١- المغني ٥١٠:٦.
٢- المغني ٥١٠:٦، الشرح الكبير ٥٤٤:٦.
٣- المغني ٥١٠:٦، الشرح الكبير ٥٤٤:٦.
٤- التهذيب - للبغوي - ٨٢:٥-٨٣، البيان ١٨٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٧: ١١٦، روضة الطالبين ١٧٦:٥.
و الثاني: أنّ المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها و قيمتها مسلوبة المنفعة؛ لأنّ الرقبة باقية للوارث، فلا معنى لاحتسابها على الموصى له(١).
و رجّح جماعة من الشافعيّة الأوّل بأنّ المنفعة أبدا هي التي أوصى بها، و المنفعة أبدا لا يمكن تقويمها؛ لأنّ المنفعة أبدا يعنى بها منفعة مدّة العمر، و مدّة العمر غير معلومة، و ما لا يعلم و لا يضبط لا يمكن تقويمه، و إذا تعذّر تقويم المنافع وحدها تعيّن تقويم الرقبة(٢).
إذا عرفت هذا، فطريق التقويم أن يقوّم العبد بمنفعته، فإذا قيل:
قيمته مائة، قيل: كم قيمته و لا منفعة فيه ؟ فإذا قيل: عشرة، فعلى الأوّل تعتبر من الثّلث المائة، و يشترط أن يكون سوى العبد مائتان، و على الثاني المعتبر التسعون، فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين مع العشرة في وجه، و بدونها في وجه، فيحتسب على الورثة في أحد الوجهين، و لا يحتسب على الآخر.
الثالث: تقوّم المنفعة و تسقط الرقبة في باب القيمة، و قوّاه الشيخ(٣).
فمن قال: تقوّم الرقبة من الثّلثين و المنفعة من الثّلث، يقول: المنفعة تنتقل إلى الموصى له، و تنتقل الرقبة إلى الورثة.
و من قال: تقوّم الرقبة و المنفعة، قال: ينظر فإن خرج العبد من الثّلث، كان كلّه للموصى له، و إن خرج بعضه، كان له من العبد بقدر ذلك، و الباقي للورثة.٤.
١- التهذيب - للبغوي - ٨٣:٥، البيان ١٨٣:٨، العزيز شرح الوجيز ١١٦:٧، روضة الطالبين ١٧٦:٥.
٢- العزيز شرح الوجيز ١١٦:٧.
٣- المبسوط - للطوسي - ١٤:٤.
و على ما قاله الشيخ تقوّم المنفعة، فإن خرج من الثّلث كان له، و إن لم يخرج كان له منها بقدر الثّلث، و الباقي للورثة.
و إن كانت المنفعة مؤقّتة، مثل: أن يوصى له بمنفعته سنة أو شهرا، قال الشيخ: تقوّم المنفعة، و تقوّم الرقبة على الورثة، و تقويم المنفعة في المدّة(١) ، و تحتسب من الثّلث؛ لأنّ المنفعة يمكن تقويمها، و العين ليست مسلوبة المنفعة؛ لأنّ بعد انقضاء المدّة تعود المنفعة إليها.
و للشافعيّة هنا طرق:
أحدها: أنّ الحكم هنا كما في الوصيّة المؤبّدة.
و الثاني: إن اعتبرنا تفاوت ما بين القيمتين هناك فهنا أولى، و إن اعتبرنا قيمة الرقبة فهنا و جهان، بناء على جواز بيع المستأجر، إن جوّزناه اعتبرنا من الثّلث قدر التفاوت، و إلاّ اعتبرنا قيمة الرقبة؛ لأنّها كالتالفة.
و يمكن على هذا القياس أن يبتنى الخلاف فيما إذا أوصى بمنفعته أبدا على الخلاف في أنّ الوارث هل يتمكّن من بيعه ؟
الثالث: أنّ المعتبر من قيمته قيمة منفعة تلك المدّة، و هي أجرة المثل.
و استبعده بعضهم؛ لأنّ المنافع تحدث بعد الموت، فليس الموصي مفوّتا لها من ملكه(٢).
و الرابع - و هو الأظهر -: أنّ العبد يقوّم بمنافعه ثمّ يقوّم مسلوب المنفعة في تلك المدّة، فما نقص فهو المعتبر من الثّلث، و قيمة الرقبة في هذه الحالة محسوبة من التركة بلا خلاف.٧.
١- المبسوط - للطوسي - ١٥:٤.
٢- الغزالي في الوسيط ٤٦٠:٤، و عنه في العزيز شرح الوجيز ١١٧:٧.