و قال أبو حنيفة: إن كان السابق المحاباة، قدّمت على العتق، و إن كان السابق العتق، سوّي بينه و بين المحاباة، فلو حابى ثمّ أعتق ثمّ حابى، كان للأوّلة نصف الثّلث، و الباقي بين العتق و المحاباة الثانية؛ لأنّ المحاباة حقّ الآدمي على وجه المعاوضة، فكان مقدّما، كما لو أقرّ بالدّين، فإذا تقدّمت كانت أولى، و إذا تقدّم العتق كان له قوّة السبق فساوى قوّة المحاباة فاستويا(١).
و ليس بجيّد؛ لأنّهما عطيّتان مترتّبتان، فقدّم السابق منهما، كما لو سبقت المحاباة.
و ما قاله ليس بصحيح؛ لأنّ منزلة المحاباة منزلة الهبة، و لو كانت بمنزلة المعاوضة لم تكن من الثّلث، و ما قاله من السبق يبطل بما إذا أعتق ثمّ أعتق.
و قال أبو يوسف و محمّد: يقدّم العتق، تقدّم أو تأخّر؛ لأنّه آكد من المحاباة، لأنّه لا يلحقه الفسخ، بخلافها، و تفريعها عليه إذا تقدّم العتق(٢).
و إن كانت التبرّعات متعلّقة بالموت، كالوصايا و التدبير، فعندنا يقدّم السابق في الذكر إلى أن يستوفى الثّلث، و يكون النقص داخلا على الأخير؛ لأنّ السبق دليل شدّة العناية.
و ما رواه حمران عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصى عند موته: أعتقوا٦.
١- تقدّم تخريجه ممّا عدا العزيز شرح الوجيز في الهامش (١) من ص ٢٨٢.
٢- مختصر اختلاف العلماء ٢١٥٦/١٦:٥، مختصر القدوري: ٢٤٣، المبسوط - للسرخسي - ١٣٣:٢٨، روضة القضاة ٣٨٨٥/٦٨٩:٢، بدائع الصنائع ٧: ٣٧٣، الهداية - للمرغيناني - ٢٤٥:٤، الاختيار لتعليل المختار ١٠٢:٥، المغني ٥٢٦:٦، الشرح الكبير ٣٢١:٦.
فلانا و فلانا حتى ذكر خمسة فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الذين أمرهم بعتقهم، قال: «يقوّموا و ينظروا إلى ثلثه فيعتق منهم أوّل من سمّى ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس، فإن عجز الثّلث كان ذلك في الذين سمّاهم أخيرا، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثّلث ما لا يملك، و لا يجوز له ذلك»(١).
و قال الشافعي: لا يقدّم عتق عبد على عتق غيره، و لا من غير العتق تبرّع على غيره و إن تقدّم بعض الوصايا و تأخّر بعضها، بل في العتق يقرع، و في غيره يقسّط الثّلث على الكلّ باعتبار القيمة(٢).
و في العتق في هذا القسم وجه له: أنّه لا يقرع، بل يقسّط الثّلث عليهم، و إنّما القرعة من خاصّيّة العتق المنجّز(٣).
هذا إذا أطلق الوصيّة، أمّا إذا قال: أعتقوا سالما بعد موتي ثمّ غانما، أو ادفعوا إلى زيد مائة ثمّ إلى عمرو، فيقدّم ما قدّمه عندنا و عنده(٤).
و إذا اجتمع في هذا القسم العتق و غيره، فله [قولان:
أحدهما](٥): يقدّم العتق؛ لأنّه أقوى، لتعلّق حقّ اللّه و حقّ الآدمي به، و لأنّ له سراية و قوّة ليست لغيره.
و أصحّهما عنده: التسوية؛ لأنّ وقت لزوم الجميع واحد(٦).٠.
١- الكافي ١٥/١٩:٧، الفقيه ٥٤٥/١٥٧:٤، التهذيب ٨٦٧/٢٢١:٩.
٢- العزيز شرح الوجيز ٥٦:٧-٥٧، روضة الطالبين ١٣٠:٥.
٣- العزيز شرح الوجيز ٥٧:٧، روضة الطالبين ١٣٠:٥.
٤- العزيز شرح الوجيز ٥٧:٧، روضة الطالبين ١٣٠:٥.
٥- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أقوال أحدها». و المثبت هو الصحيح.
٦- التهذيب - للبغوي - ٣٨٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٥٧:٧، روضة الطالبين ٥: ١٣٠.