المقصد الثاني: في الوقف و توابعه و فيه فصول:
الفصل الأوّل: في الوقف و فيه مباحث:
البحث الأوّل: في الأركان،
و هي أربعة: الصيغة و الواقف و الموقوف عليه و الموقوف يشتمل عليها أربعة مطالب.
مقدّمة: سمّي الوقف وقفا؛ لاشتماله على وقف المال على الجهة المعيّنة، و قطع سائر الجهات و التصرّفات عنه، يقال: وقفت وقفا، و قد يقال في شذوذ اللغة: أوقفت(١) ، لا في فصيحها، و يقال: حبست و أحبست، على السواء، و جمعه: وقوف و أوقاف.
و الوقف: تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.
و فيه فضل كثير و ثواب جزيل.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، و علم ينتفع به بعد موته، و صدقة جارية» رواه العامّة(٢).
قال العلماء: المراد بالصدقة الجارية الوقف(٣).
١- كما في المغني ٢٠٦:٦.
٢- نهاية المطلب ٣٣٩:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٥٠:٦، و في مسند أحمد ٣: ٨٦٢٧/٦٥، و صحيح مسلم ١٦٣١/١٢٥٥:٣، و سنن أبي داود ٢٨٨٠/١١٧:٣، و سنن الترمذي ١٣٧٦/٦٦٠:٣، و سنن النسائي (المجتبى) ٢٥١:٦، و السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٧٨:٦ بتفاوت و تقديم و تأخير.
٣- كما في نهاية المطلب ٣٣٩:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٥٠:٦.
و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ستّة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه، و بئر يحفرها، و صدقة يجريها، و سنّة يؤخذ بها من بعده»(١).
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(٢).
و اشتهر اتّفاق الصحابة على الوقف قولا و فعلا.
قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذو مقدرة إلاّ وقف(٣).
و لم ير شريح الوقف، و قال: لا حبس عن فرائض اللّه(٤).
قال أحمد: و هذا مذهب أهل الكوفة(٥). و هو خلاف الإجماع من الصحابة.
إذا عرفت هذا، فالوقف تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.
مسألة ٥٧: الوقف يلزم بالعقد و القبض عند علمائنا أجمع
- و به قال أحمد في إحدى الروايتين، و محمّد بن الحسن(٦) - لأنّه تبرّع بمال، فلا يلزم بمجرّده، كالهبة و الوصيّة، و لأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه، خرج عنه المقبوض، فيبقى الباقي على أصله.
و قال أبو حنيفة: الوقف لا يلزم بمجرّده، و للواقف الرجوع فيه، و إذا
١- الكافي ٥/٥٧:٧، الفقيه ٦٣٧/١٨٢:٤.
٢- الأم ٥٢:٤-٥٣، ترتيب مسند الشافعي ٤٥٧/١٣٨:٢، مختصر المزني: ١٣٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٦٢:٦، معرفة السنن و الآثار ١٢٢٧٤/٣٨:٩.
٣- المغني ٢٠٦:٦-٢٠٧، الشرح الكبير ٢٠٦:٦.
٤- المغني ٢٠٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٦:٦.
٥- المغني ٢٠٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٦:٦.
٦- الإفصاح عن معاني الصحاح ٤٥:٢، المغني ٢٠٩:٦، الشرح الكبير ٢٢٨:٦ - ٢٢٩ و ٢٦٥، مختصر القدوري: ١٢٧، روضة القضاة ٥٢٣١/٧٧٧:٢، تحفة الفقهاء ٣٧٧:٣، الفقه النافع ٧٢٣/١٠٠١:٣، الحاوي الكبير ٥١١:٧، حلية العلماء ٧:٦، البيان ٤٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٨٣:٦.