مات رجع فيه ورثته، إلاّ أن يرضوا به بعد موته فيلزم، أو يحكم بلزومه حاكم(١).
و حكى بعض العامّة عن عليّ عليه السّلام و ابن مسعود و ابن عباس مثل قول أبي حنيفة؛ لأنّ عبد اللّه بن زيد صاحب الأذان جعل حائطا له صدقة و جعله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجاء أبواه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقالا: يا رسول اللّه، لم يكن لنا عيش إلاّ هذا الحائط، فردّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ ماتا فورثهما(٢) ، و لأنّه أخرج ماله على وجه القربة من ملكه، فلا يلزم بمجرّد القول، كالصدقة(٣).
و هذا القول مخالف للسّنّة الثابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إجماع الصحابة، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للواقف في وقفه: «لا يباع أصلها و لا يبتاع و لا يوهب و [لا يورث](٤)»(٥) ، و الصدقة و الهبة نحن نقول بموجبهما، فإنّهما لا يلزمان إلاّ بالقبض عندنا، كالوقف.٦.
١- مختصر القدوري: ١٢٧، روضة القضاة ٥٢٢٨/٧٧٧:٢، تحفة الفقهاء ٣: ٣٧٦، الفقه النافع ٧٢٣/١٠٠١:٣، بدائع الصنائع ٢١٨:٦، الإفصاح عن معاني الصحاح ٤٥:٢، المغني ٢٠٧:٦، الشرح الكبير ٢٦٥:٦، الحاوي الكبير ٧: ٥١٢، حلية العلماء ٨:٦-١٠، التهذيب - للبغوي - ٥١٠:٤، البيان ٤٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٨٣:٦.
٢- المغني ٢٠٧:٦، الشرح الكبير ٢٦٥:٦ نقلا عن المحاملي في أماليه.
٣- نفس المصدر.
٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يوقف». و المثبت كما في المصادر.
٥- المغني ٢٠٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٦:٦ و ٢٦٥، و راجع: المصنّف - لابن أبي شيبة - ٩٧٨/٢٥٢:٦، و ١٧٩٦٢/١٦٧:١٤، و مسند أحمد ٥١٥٧/١٥٦:٢، و صحيح مسلم ١٦٣٢/١٢٥٥:٣، و سنن ابن ماجة ٩٣٩٦/٨٠١:٢، و سنن الترمذي ١٣٧٥/٦٥٩:٣، و السنن الكبرى - للنسائي - ٦٤٢٦/٩٣:٤-٣، و السنن الكبرى - للبيهقي - ١٥٩:٦.
و قال الشافعي و أبو يوسف و عامّة الفقهاء: إنّ الوقف يلزم بمجرّد العقد من غير إقباض، و لم يجعلوا القبض شرطا في صحّة العقد(١) و لا في لزومه؛ لأنّه تبرّع يمنع البيع و الهبة [و الميراث](٢) فلزم بمجرّده، كالعتق(٣).
و الفرق: أنّ العتق ليس عقدا، و لا يفتقر إلى قبول و لا قبض. سلّمنا، لكن المعتق قد ملّك العبد نفسه المقبوضة له حقيقة، فافترقا.
المطلب الأول: الصيغة.
مسألة ٥٨: لا يصحّ الوقف إلاّ باللفظ؛ لأنّه تمليك منفعة أو عين و منفعة،
فأشبه سائر التمليكات. و أيضا فالعتق لا يحصل إلاّ باللفظ مع سرعة نفوذه فالوقف أولى، و لأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه ما لم يثبت المزيل، فعلى هذا لو بنى بناء على هيئة المساجد أو على غير هيئتها و أذن في الصلاة فيه، لم يصر مسجدا، و كذا لو أذن بالدفن في ملكه لم يصر مقبرة، سواء صلّي في ذلك أو دفن في هذا، أو لا - و به قال الشافعي(٤) -
١- في «ص، ع»: «الوقف» بدل «العقد».
٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و التبرّعات». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير، راجعهما في الهامش التالي.
٣- الحاوي الكبير ٥١١:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٤٩:١، الوسيط ٢٥٥:٤، حلية العلماء ٧:٦، التهذيب - للبغوي - ٥١٠:٤، البيان ٤٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٨٣:٦، روضة الطالبين ٤٠٥:٤، مختصر القدوري: ١٢٧، روضة القضاة ٥٢٢٩/٧٧٧:٢ و ٥٢٣٠، تحفة الفقهاء ٣٧٧:٣، الفقه النافع ٣: ٧٢٣/١٠٠١، الهداية - للمرغيناني - ١٤:٣، الإفصاح عن معاني الصحاح ٤٥:٢، المغني ٢٠٩:٦-٢١٠، الشرح الكبير ٢٢٨:٦ و ٢٢٩.
٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٤٩:١، الوسيط ٢٤٤:٤، حلية العلماء ٢١:٦، التهذيب - للبغوي - ٥١٦:٤، البيان ٦٢:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٦٣:٦، روضة الطالبين ٣٨٧:٤.