غالبا، أو قال: وقفت على زيد، و سكت، نقل الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و الخلاف لعلمائنا قولين، أحدهما: الصحّة، و الثاني: البطلان(١).
و الأوّل عندي هو المعتمد - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أبو يوسف و أحمد في إحدى الروايات(٢) - لأنّ الوقف نوع تمليك و صدقة، فيتبع اختيار المالك في التخصيص بالأزمان، كما يتبع اختياره في التخصيص بالأعيان، و للأصل، و لأنّ تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأوّل، و إلاّ لزم تأخّر المشروط عن شرطه.
و لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: قال عليه السّلام: «ألا أحدّثك بوصيّة فاطمة عليها السّلام ؟» قلت: بلى، فأخرج حقّا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله، أوصت بحوائطها السبعة -: العواف و الدّلال و البرقة و الميثم - و في رواية عوض الميثم: الميثب(٣) - و الحسنى و الصافية و مال أمّ إبراهيم(٤) - إلى عليّ ابن أبي طالب، فإن مضى عليّ فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي»(٥).
و القول الثاني للشافعي: إنّ الوقف باطل - و به قال محمّد بن الحسن٥.
١- المبسوط - للطوسي - ٢٩٢:٣، الخلاف ٥٤٣:٣، المسألة ٩.
٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٤٨:١، نهاية المطلب ٣٤٧:٨-٣٤٨، الوجيز ١: ٢٤٦، الوسيط ٢٤٦:٤، حلية العلماء ١٧:٦، التهذيب - للبغوي - ٥١٣:٤، البيان ٥٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٦٧:٦، روضة الطالبين ٣٩١:٤، المدوّنة الكبرى ١٠١:٦، الذخيرة ٣٤٧:٦، المغني ٢٣٩:٦، الشرح الكبير ٢٢٤:٦.
٣- في الطبعة الحجريّة: «المبيت».
٤- في الكافي: «و ما لأمّ إبراهيم».
٥- الكافي ٥/٤٨:٧، الفقيه ٦٣٢/١٨٠:٤، التهذيب ١٤٤:٩-٦٠٣/١٤٥.
الشيباني(١) - لأنّ شرط الوقف التأبيد، فإذا لم يردّه إلى ما يدوم لم يؤبّده، فكان كما لو قال: وقفته سنة، و لأنّه إذا لم يكن مؤبّدا كان منقطعا، فصار وقفا على مجهول فلم يصح، كما لو وقفه على مجهول في الابتداء(٢).
و نمنع كونه وقفا على مجهول، بل هو وقف معلوم المصرف فصحّ، كما لو أبّده. و لا نسلّم أنّ شرط الوقف التأبيد، فإنّه المتنازع، و مجهول الابتداء غير معلوم المصرف، فكان باطلا، بخلاف المتنازع، فإنّ المصرف فيه معلوم.
و للشافعي قول ثالث، و هو الفرق بين أن يكون الموقوف عقارا فلا يجوز إنشاؤه منقطع الآخر، أو حيوانا فيجوز؛ لأنّ مصير الحيوان إلى الهلاك، فكما يجوز فوات الموقوف مع بقاء الموقوف عليه يجوز فوات الموقوف عليه مع بقاء الموقوف(٣).
مسألة ٩٥: اختلف الشيخان في الوقف إذا انقرض الموقوف عليهم.
فقال المفيد رحمه اللّه: يرجع إلى ورثة الموقوف عليهم(٤) ؛ لأنّ الوقف ناقل عن الواقف، فلا يعود إليه إلاّ بسبب و لم يوجد، و لأنّه صدقة فلا يرجع إليه، و لأنّ الموقوف عليه يملك الوقف فيورث عنه كغيره، بخلاف البطن الأوّل، فإنّه لا يورث عنه و إن كان مالكا؛ لعدم تماميّة الملك في حقّه، إذ
١- حلية العلماء ١٧:٦، البيان ٥٨:٨، المغني ٢٣٩:٦، الشرح الكبير ٢٢٤:٦.
٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٤٨:١، نهاية المطلب ٣٤٧:٨، الوجيز ٢٤٦:١، الوسيط ٢٤٦:٤، حلية العلماء ١٧:٦، التهذيب - للبغوي - ٥١٣:٤، البيان ٨: ٥٨، العزيز شرح الوجيز ٢٦٧:٦، روضة الطالبين ٣٩١:٤، المغني ٢٣٩:٦، الشرح الكبير ٢٢٤:٦.
٣- نهاية المطلب ٣٤٨:٨، الوسيط ٢٤٦:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٦٧:٦، روضة الطالبين ٣٩١:٤.
٤- المقنعة: ٦٥٥.
الوقف إنّما يجري على حسب شرط الواقف.
و نمنع كون مطلق الوقف ناقلا، بل الناقل المؤبّد منه خاصّة. و نمنع كونه صدقة مؤبّدة، بل يجري مجرى صدقة العمرى و الحبيس. و نمنع كون الموقوف عليه مالكا إلاّ مع التأبيد.
و قال الشيخ رحمه اللّه: يرجع إلى الواقف إن كان موجودا، و إن كان ميّتا يرجع إلى ورثته(١). و هو الوجه عندي.
و قال أبو يوسف: إذا انقرض الموقوف عليهم يرجع إلى الواقف أو إلى ورثته، إلاّ أن يقول: صدقة موقوفة ينفق منها على فلان، فإذا انقرض المسمّى كانت للفقراء و المساكين، و وجهه: أنّه جعلها صدقة على من سمّاه، فلا تكون صدقة على غيره، و يفارق ما إذا قال: ينفق منها على فلان؛ لأنّه جعل الصدقة مطلقة مؤبّدة(٢).
و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه في الحقيقة حبس؛ لانقراض أربابه، فلا يكون مؤبّدا، فيرجع إلى ورثة الواقف؛ لعدم خروجه عنه بالكلّيّة، أو إليه إن كان حيّا، و لأنّه إنّما وقف على قوم بأعيانهم، فلا يجوز التخطّي إلى غيرهم؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها»(٣).
و قال السيّد ابن زهرة من علمائنا: إنّه يرجع بعد انقراض الموقوف عليهم إلى وجوه البرّ(٤).٩.
١- الخلاف ٥٤٣:٣، المسألة ٩.
٢- مختصر القدوري: ١٢٧، المبسوط - للسرخسي - ٤١:١٢، الفقه النافع ٣: ٧٢٥/١٠٠٢، بدائع الصنائع ٢٢٠:٦، حلية العلماء ١٨:٦، المغني ٢٣٩:٦ - ٢٤٠، الشرح الكبير ٢٢٥:٦.
٣- الكافي ٣٤/٣٧:٧، الفقيه ٦٢٠/١٧٦:٤، التهذيب ١٢٩:٩-٥٥٥/١٣٠.
٤- الغنية: ٢٩٩.