كذلك؛ لعدم الانتفاع بها في الحال و لا فيما بعد الحال.
و كما لا يجوز وقف العين الخالية من المنفعة، كذا لا يصحّ وقف المنفعة من دون العين، فلا يجوز وقف المنافع، فمن ملك منافع الأعيان دون رقابها - كالمستأجر و الموقوف عليه - فوقف تلك المنافع، لم يصح، سواء ملك المنفعة موقّتا، كالمستأجر، أو مؤبّدا، كالموصى له بالخدمة و المنفعة؛ لأنّ الوقف يشبه التحرير، و ملك المنفعة لا يفيد ولاية التحرير، و لأنّ من شرط الوقف الدوام، و المنافع لا دوام لها، فإنّها تحدث شيئا فشيئا، و تفنى كذلك، فهي كالشيء الذي يسرع إليه الفساد.
مسألة ٨٨: يصحّ وقف الذهب و الفضّة إذا كان حليّا لفائدة اللّبس و الإجارة له و الإعارة؛
لأنّه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما، فصحّ وقفها، كالعقار، و بهذا قال الشافعي، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(١).
و في الثانية: لا يصحّ؛ لأنّ التحلّي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان، فلم يصح وقفها عليه، كما لو وقف الدنانير و الدراهم(٢).
و نمنع كون التحلّي ليس من المقاصد المهمّة، فإنّ العادة جارية به، و قد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متّخذه و جواز إجارته للتحلّي، بخلاف الدراهم و الدنانير؛ فإنّ العادة لم تجر بالتحلّي بها، و لا يعتبرها الشرع في إسقاط زكاة.
أمّا الدراهم و الدنانير فإنّ أصحابنا تردّدوا في جواز وقفها، و للشافعيّة
١- الحاوي الكبير ٥١٩:٧، نهاية المطلب ٣٤٥:٨، الوسيط ٢٤١:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٥٣:٦، روضة الطالبين ٣٨٠:٤، المغني ٢٦٢:٦ و ٢٦٣، الشرح الكبير ٢١١:٦.
٢- المغني ٢٦٣:٦، الشرح الكبير ٢١١:٦.
وجهان(١).
و الأصل فيه أن يقال: إن فرض لها منفعة مقصودة في نظر الشرع و عند العرف، صحّ وقفها، كما تصحّ إجارتها، فيجوز وقفها حينئذ لإجارتها و استيفاء تلك المنفعة المعتبرة عند العقلاء، و إن لم يكن لها منفعة معتبرة في نظر العقلاء، لم يصح وقفها و لا إجارتها.
و ألحق بعض الشافعيّة وقف الدراهم ليصاغ [منها](٢) الحلّي بوقف العبد الصغير(٣).
و ليس بجيّد؛ لأنّ الصغير يصير إلى حالة الانتفاع بنفسه، و هذا يحتاج إلى إحداث أمر بالاختيار.
مسألة ٨٩: هل يصحّ وقف أمّ الولد؟ يحتمل ذلك؛ لعدم خروجها عن الملكيّة،
فصحّ وقفها كغيرها، و منع بيعها لا يقتضي منع وقفها؛ لأنّ الوقف يشبه العتق؛ لاشتراكهما في إزالة الملك عن المالك إلى وجه من وجوه القرب، و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ لأنّه تجوز إجارتها، فجاز وقفها(٤).
و يحتمل المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(٥) - لأنّ حلّها حرمة
١- الحاوي الكبير ٥١٩:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٤٧:١، نهاية المطلب ٨: ٣٤٥، الوسيط ٢٤١:٤، حلية العلماء ١١:٦، التهذيب - للبغوي - ٥١٠:٤، البيان ٥١:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٥٣:٦، روضة الطالبين ٣٨٠:٤.
٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه»، و المثبت - كما في المصادر - يقتضيه السياق.
٣- نهاية المطلب ٣٤٥:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٥٣:٦، روضة الطالبين ٣٨٠:٤.
٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٤٧:١، نهاية المطلب ٣٤٦:٨، الوسيط ٢٤٠:٤، حلية العلماء ١٢:٦، البيان ٥٢:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٥٢:٦، روضة الطالبين ٣٧٩:٤.
٥- المهذّب - للشيرازي - ٤٤٧:١، نهاية المطلب ٣٤٦:٨، الوسيط ٢٤٠:٤، حلية العلماء ١٢:٦، البيان ٥٢:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٥٢:٦، روضة الطالبين ٣٧٩:٤.