و هو ممنوع؛ فإنّ المتصوّفة الذين يصحّ الوقف عليهم المشتغلون بالعبادة في أغلب الأوقات المعرضون عن الدنيا.
و فصّل بعضهم فقال: لا بدّ في الصوفيّ من العدالة و من ترك الحرفة، و لا بأس بالوراقة و الخياطة و ما أشبههما إذا كان يتعاطاها أحيانا في الرباط لا في الحانوت، و لا تقدح قدرته على الاكتساب و الاشتغال بالوعظ و التدريس، و لا أن يكون له من المال قدر ما لا تجب فيه الزكاة أو لا يفي دخله بخرجه، و تقدح الثروة الظاهرة و العروض الكثيرة، و لا بدّ و أن يكون في زيّ القوم، إلاّ إذا كان مساكنا لهم في الرباط، فتقوم المخالطة و المساكنة مقام الزيّ، و لا يشترط لبس الرقعة من يد شيخ(١).
مسألة ٧٩: يجوز الوقف على أكفان الموتى و مؤونة الغسّالين و الحفّارين
و إن كان ذلك من فروض الكفايات.
و كذا يجوز على شراء الأواني و الظروف لمن تكسّرت عليه، و على شراء أقلام العلماء، دون أقلام الظلمة التي يكتب بها الظلم.
و يجوز على مصلّي صلاة الليل، و يصرف إلى من يصلّي صلاة الليل المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام، و لا يشترط أكثر من ثمان ركعات؛ لأنّها هي صلاة الليل، و لا بدّ و أن يصلّيها في الليل بعد انتصافه، و لو قدّمها في أوّل الليل نادرا دخل، و لا يكون ذلك عادة، و كذا إن اتّفق له القضاء بالنهار أو الترك مطلقا أحيانا، و لا يشترط الدعاء المنقول بين الركعات.
و لو وقف على الأرقّاء الموقوفين على خدمة الكعبة أو المشهد أو قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو أحد قبور الأئمّة عليهم السّلام أو قبر بعض الصلحاء، فالأقرب:
١- العزيز شرح الوجيز ٢٦٢:٦، روضة الطالبين ٣٨٦:٤-٣٨٧.
الجواز - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كالوقف على علف الدوابّ في سبيل اللّه.
و لو وقف على دار و حانوت، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ إلاّ أن يقول: وقفت على هذه الدار على أن يأكل فوائد الوقف طارقو الدار، فيصحّ على أظهر الوجهين عندهم(٢).
و لو وقف على المقبرة لتصرف الغلّة إلى عمارة القبور، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الموتى صائرون إلى البلى، فالعمارة لا تلائم حالهم(٣).
مسألة ٨٠: إذا وقف على الكفّار و الفسّاق،
فإن كان ذلك لإعانتهم على كفرهم و فسقهم، بطل الوقف قطعا، و إن كان لنفعهم في بقائهم، فقد بيّنّا الخلاف فيه.
و الشافعيّة ذكروا خلافا في الوقف على الكفّار و الفسّاق، و لم يذكروه في الوقف لنفقة قطّاع الطريق، بل أطلقوا الحكم بالبطلان، و لا يمكن أن يقدّر الفرق بينهما، فإنّ قطّاع الطريق ضرب من الفسّاق.
نعم، لو أراد الواقف بالوقف لنفقة قطّاع الطريق أن يشترط الصرف إلى ما يتهيّأ به القطع من سلاح و غيره، لم يجز، و كان كالوقف لعمارة البيع و الكنائس(١).
و لو وقف لآلات سائر المعاصي، بطل الوقف لا محالة.
و لو وقف لتصرف الغلاّت إلى القطّاع و سائر الفسّاق لا إلى جهة
١- العزيز شرح الوجيز ٢٦٠:٦.
الفسق، فقولان للشافعيّة(١).
مسألة ٨١: إذا شرط عود نفع الوقف في سبيل اللّه،
قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: يجعل بعضه للغزاة المطوّعة دون العسكر العامل على باب السلطان، و بعضه في الحجّ و العمرة؛ لأنّهما من سبيل اللّه(٢).
و قال في المبسوط: إذا وقف و شرط أن يصرف في سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، صرف ثلثه إلى الغزاة و الحجّ و العمرة، و ثلثه إلى الفقراء و المساكين، و يبدأ بأقاربه، و هو سبيل الثواب، و ثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم اللّه تعالى في آية الصدقة، و هم الفقراء و المساكين و ابن السبيل و الغارمون الذين استدانوا لمصلحة أنفسهم، و في الرقاب، و هم المكاتبون، فهؤلاء سبيل الخير.
ثمّ قال: و لو قيل: إنّ هذه الثلاثة متداخلة، كان قويّا؛ لأنّ سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير يشترك الجميع فيه(٣).
و قال بعض علمائنا: «سبيل اللّه» المجاهدون(٤).
و قال آخرون: إذا وقف على سبيل اللّه، انصرف إلى ما يكون وصلة إلى الثواب، كالغزاة و الحجّ و العمرة و بناء القناطر و المساجد، و كذا لو قال:
في سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، كان واحدا، و لا تجب قسمة الفائدة أثلاثا(٥).
١- العزيز شرح الوجيز ٢٦٠:٦.
٢- الخلاف ٥٤٥:٣، المسألة ١٢.
٣- المبسوط - للطوسي - ٢٩٤:٣.
٤- ابن حمزة في الوسيلة: ٣٧١.
٥- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢١٩:٢.