و الخشبة مستوية في الوضع معتدلة فتقذف كلّ كوّة في ساقية كلّ واحد منهم، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به.
و إن كانت أملاكهم مختلفة، فإن كان لأحدهم ضعف ما للآخر جعل لصاحب الضعف كوّتين و للآخر كوّة.
و إن كان لأهل ساقية مائة جريب و لأهل ساقية ألف جريب، جعل في الخشبة إحدى عشرة حفرة، لصاحب المائة حفرة، و لصاحب الألف عشر حفر.
و لو كانت الضياع متباعدة، مثل أن تكون عشرة، خمسة مجاورة، و خمسة بعيدة منها، قسّم النهر قسمين، فجعل خمس حفر لأصحاب الضياع القريبة لكلّ واحد حفرة، و خمسة يجري فيها الماء في النهر، فإذا وصل إلى الضياع البعيدة قسّم بينها قسمة أخرى.
فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر، لم يجز إلاّ برضاه؛ لأنّه تصرّف في ساقية الغير و تخريب حافّتها بغير إذنه، و يخلط حقّه بحقّ غيره على وجه لا يتميّز، فلم يجز.
تذنيب: لو أراد الشركاء قسمة النهر نفسه و كان عريضا يمكن قسمته جاز، و لا يجري فيه الإجبار، كما في الجدار الحائل.
مسألة ١١٧٨: إذا كان النهر مملوكا بين جماعة لم يكن لأحدهم التصرّف فيه إلاّ بإذن الباقين،
فلو أراد من كانت أرضه أسفل توسيع فم النهر لئلاّ يقصر الماء عنه، لم يجز إلاّ برضا الباقين؛ لأنّ الشريك ممنوع من التصرّف في المشترك إلاّ بإذن باقي الشركاء، و لأنّ الأوّلين قد يتضرّرون بكثرة الماء فلا بدّ من إذنهم.
و لو أراد الأوّلون - و هم القريبون من فوهة النهر - تضييق فم النهر، لم يكن لهم ذلك إلاّ برضا الباقين. و كذا ليس لواحد منهم بناء قنطرة أو رحى عليه، أو غرس شجرة على حافّتيه إلاّ برضا الباقين.
و لو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي ينساق فيها الماء إلى أرضه أو تأخيره، لم يكن له ذلك، بخلاف صاحب الدار في الدرب المرفوع لو أراد تقديم باب داره إلى رأس السكّة جاز؛ لأنّه هناك يتصرّف في الحدّ المملوك، و هنا في الحافّة المشتركة.
و لو كان لأحدهم ماء في أعلى النهر فأجراه في النهر المشترك برضا الشركاء ليأخذه من الأسفل و يسقي به أرضه، كان لهم الرجوع متى شاؤا؛ لأنّ الإذن هنا عارية، و للمعير الرجوع متى شاء.
مسألة ١١٧٩: إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة،
كانت تنقيته و عمارته على الشركاء بحسب الملك.
و إذا أرادوا سدّ شيء منه أو إصلاح حائطه أو شيء منه، كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه.
و إذا كان بعضهم أقرب إلى فمه و بعضهم أبعد، اشترك الجميع في عمارته و إكرائه و إصلاحه من فمه إلى أن يصلوا إلى الأوّل، ثمّ لا شيء على الأوّل، ثمّ يشترك الباقون في عمارته إلى أن يصلوا إلى ساقية الثاني، فلا يجب على الثاني شيء فيما بعد، ثمّ يشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى ساقية الثالث، فينحلّ الثالث عن المشاركة في العمارة فيما بعده، و هكذا كلّما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء؛ لأنّ الأوّل إنّما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه، و ما بعده إنّما يختصّ
بالانتفاع [به](١) من دونه، فلا يشاركهم في مؤونته، كما لا يشاركهم في نفعه، و به قال الشافعي و أحمد(٢) ، و هو محكيّ عن أبي حنيفة(٣) أيضا.
و قال أبو يوسف و محمّد: يشترك جميع الشركاء في عمارته و إكرائه من أوّله إلى آخره على قدر أنصبائهم و نفقتهم عليه؛ لأنّ الأوّل ينتفع بجميعه، لأنّه ينتفع بأوّله بسقي أرضه و بالباقي لمصبّ مائه، فكان الكرى على الكلّ بقدر شربه و أرضه(٤) ، و قال به بعض الشافعيّة(٥).
إذا ثبت هذا، فلو كان الماء يفضل عن جميعهم و احتاج الفاضل إلى مصرف ينصبّ إليه، فمؤونة ذلك المصرف على جميعهم؛ لأنّهم يشتركون في الحاجة إليه و الانتفاع به، فكانت مؤونته عليهم كلّهم كأوّله.
مسألة ١١٨٠: إذا حصل نصيب إنسان من هؤلاء الشركاء في النهر المملوك في ساقية اختصّ بذلك الماء،
و كان له أن يسقي به ما شاء من الأرض، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، و له أن يعطيه من يسقي به - و به قال بعض الشافعيّة(٦) - لأنّه ماء انفرد باستحقاقه، و خرج
١- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
٢- حلية العلماء ٥١٨:٥-٥١٩، البيان ٤٣٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٧:٥، روضة الطالبين ٣٧١:٤، المغني ١٩٦:٦-١٩٧، الشرح الكبير ٢٠١:٦-٢٠٢.
٣- روضة القضاة ٣٣١٠/٥٥٩:٢، بدائع الصنائع ١٩٢:٦، الهداية - للمرغيناني - ١٠٥:٤، حلية العلماء ٥١٩:٥، البيان ٤٣٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٧:٦، المغني ١٩٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٢:٦.
٤- روضة القضاة ٣٣١١/٥٦٠:٢، بدائع الصنائع ١٩٢:٦، الهداية - للمرغيناني - ١٠٥:٤، حلية العلماء ٥١٩:٥، البيان ٤٣٧:٧، المغني ١٩٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٢:٦.
٥- العزيز شرح الوجيز ٢٣٧:٥، روضة الطالبين ٣٧١:٤.
٦- حلية العلماء ٥١٧:٥.