إيراده الأحاديث الّتي عندهم أنّها تدلّ على الغلوّ ، ولذا اتّهموه في دينه. وقد مرّ منّا التأويل في ذلك في صدر الكتاب (١) ، على أنّه سيجيء في أحمد بن محمّد بن
__________________
الغيبة الصغرى ثمان أو تسع وستّون سنة ، والمترجم روى عنه محمّد بن الحسن الصفّار سنة تسعين ومائتين ، وروى عنه أحمد بن نصر المعروف ب : ابن أبي هراسة الباهلي المتوفّى سنة ٣٣٣ ، وروى عنه عليّ بن إبراهيم القمّي الّذي كان على قيد الحياة سنة ٣٠٧ .. وغيرهم.
فرواية هؤلاء عن المترجم تدلّ على أنّه كان في الغيبة الصغرى على قيد الحياة ، فأين تأخر زمانه ، فهلاّ احتمل أنّه كان وكيلا عن الناحية المقدّسة في التاريخ المذكور ، نعم كان الأولى أن يقول : إنّ وكالته عن الناحية ممكنة لا مانع منها.
(١) أشار إلى ما أفاده في المقدّمات من الفوائد الرجاليّة المطبوعة في مقدمة تنقيح المقال ٢١١/١ ـ ٢١٢ الفائدة الخامسة والعشرين [من الطبعة الحجريّة] ما حاصله : أنّ في عصر الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم وسلامه كانت السلطة الزمنيّة تحثّ على إحداث الفرق والأهواء في الطائفة الإمامية ، وجعلهم شعوبا وقبائل وفرقا ، وذلك تطبيقا لقاعدة (فرّق تسد) ، والمعجزات والكرامات وخوارق العادات الّتي كانت تصدر في بعض الأحيان من أئمّة الهدى صلوات عليهم أحدثت أرضيّة خاصّة للقول بالغلوّ ، فحدث من ذلك فرقة غالية في أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي بعض الأئمّة ، وهذا الانحراف الكافر قاومه أئمّة الهدى عليهم السلام بكلّ ما لديهم من حول وطول ، وتبرءوا من كلّ ما يشير إلى الغلوّ ، حتّى عن بيان أو اظهار أقلّ مرتبة من منازلهم السامية الّتي شرفهم اللّه بها ، لسدّ هذه الثغرة ، وإبطال هذه البدعة ، واقتفى أثرهم علماء الدين ، والرواة الثقات ، بتضعيف كلّ من يروي رواية ترفع الإمام عن مستوى الإنسان العادي إلى مستوى الإنسان الكامل ، وقد أفرط بعض الرجاليين في ذلك ، ثمّ بعد الغيبة الكبرى وانقراض الخلافة المسمّاة بالإسلامية ، نضب موارد المبدعين ، وانقطعت منافعهم ، فانتفى القول بالغلوّ ، وبقيت التضعيفات على حالها ، فكثير من الفضائل الّتي أنكروها في زمن الأئمّة عليهم السلام لدفع البدعة ، والصفات الّتي كانوا متمتعين بها ، ظهرت بالدليل والبرهان ، وثبتت بالحسن والعيان ، وهذا واضح لمن له إلمام بتاريخ الأئمّة عليهم السلام ، وله معرفة بجوّهم السياسي والاجتماعي ، ومن هذه الجهة قال المؤلّف قدّس سرّه : إنّه لا يعوّل على رمي القدماء للرواة بالغلوّ ، ولا يصحّ تصديقهم بالتضعيف إلاّ بعد الوقوف