الوصيّة المذكورة لا مطلق الوصايا الصحيحة ، لكن لمّا كان هذا التحريم من حيث إنّ الوصيّة على الوجه المذكور إذا تحقّق ثبت به الحقّ للموصى له ، وتبديله عنه وتغييره بالزيادة والنقصان ، تغيير للحقّ عن موضعه ، وصرف له عن مستحقّه ، وهو ظلم وإثم ، وكان ذلك حكم كلّ وصيّته شرعاً(١) ، لزم حرمة التبديل في الجميع ، ومن ذلك ترى ظاهر الأصحاب تعميم الحكم في الوصايا والحبس والوقف ، وغير ذلك ، فإنّها إذا صحّت ، كانت كذلك ، بل ظاهر الأصحاب إيراد الآية على سبيل الاقتباس ، انتهى(٢).
ولا يخفى ما فيه ، فإنّه يجب على مقتضى كلامه أن يعرف بدليل صحّة الوصيّة أوّلاً حتّى يحكم ببطلان التغيير بدليل آخر ، ولا يمكن التمسّك بالآية الكريمة في شي منهما ، مع أنّ ظاهر الأصحاب الاستدلال بالآية الكريمة على صحّة الوصيّة ، والحكم بصحّة كلّ وصيّة ولزومها إلى أن يقوم الدليل على خلافه.
والأصوب أن يقال : لمّا كان الدليل قائماً ، كما ذكرنا على عدم رجوع الضمير على الوصيّة المذكورة ، وجب عوده إلى مطلق الوصيّة ، إذ لم يذكر سابقاً إلاّ الوصيّة ، وقيّدت بكونها للوالدين والأقربين ، ولم يذكر الوصيّة بالمال واشتراط ترك الخير قيد لكتابة الوصيّة ، لا لتحريم تغييرها ، فلا يصير دليلاً للتقييد هنا ، ويؤيّد ما ذكرنا ، تنكير (موص) في قوله تعالى : (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص
__________________
(١) (ح) : (شرحاً).
(٢) زبدة البيان : ٤٧٠.