موثوقية وواقعية رواية الطبري بخصوص جغرافية طريق مكَّة المكرّمة ، هذهِ الرواية المليئة بالتناقضات والتضاربات بشأن المسلك الذي سلكه الإمام نحو العراق ؛ وهي رواية تُثير تساؤلاً في ما إذا كان مقصد الإمام الكوفة أم جهة أخرى؟ ولعلَّ الإمام ـ والله أعلم ـ لم يكن يبغي الكوفة مباشرةً إنَّما أطرافها من أجل أن يتحقّق من موقف الكوفيّين وحتَّى قبل استشهاد مُسلم بن عقيل ابن أبي طالب رضياللهعنه (ت٦٠هـ/٦٨٠م) ، فرسالته التي زوَّد بها مُسلم تتحدّث عن حكمة سياسية ودراية وأنّ مشاهد موقف الكوفيّين قُبيل صفِّين وما بعد صفِّين وموقفهم عندما وصل الإمام إلى الخريبة في البصرة وذهابهِ هو شخصيّاً إلى الكوفة لتحشيد الدعم لجيش الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام وكيف كان موقف أبي موسى الأشعري (٢١ قبل الهجرة ـ٤٤هـ/٦٠٢ـ٦٦٥م) ووجهاء الكوفة المُتخاذل .. لا شكَّ أنَّه قائم وحيّ وواضح عنده ، فيُدلي الطبري برواية أبي مخنف كما وردت عن طريق عمّار الدُّهني وهي رواية تلاعب أو تدخّل فيها الطبري أو هشام فوجَّهاها وجهةً غير صحيحة كما نوّهنا إلى ذلك ، تنصّ الرواية : «فخرج ـ [يقصد الإمام الحُسين] ـ إلى مكَّة ، فأتاه أهل الكوفة ورُسُلهم : إنّا قد حبسنا أنفسنا عليك ، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي ـ [طبعاً يُلاحظ أنّ الرواية مبتورة وناقصة وهي في موضع آخر من الكتاب أوضح] ـ قال : فبعث الحُسين إلى مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمِّهِ فقال له : سِر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا بهِ إلىَّ ، فإن كان حقّاً خرجنا إليهم»(١). إذن فالمهمّة
__________________
(١) تاريخ الرُسُل والملوك ٥/٣٤٧.