قادم من مكَّة إلى المدينة والتقى بالإمام هناك ، فنجده الآن في مكَّة حيث يحصل اللقاء الآخر؟
وزيادةً في الاستغراب ، فإنَّ الطبري ـ أو هشام الكلبي أو أبا مخنف ـ بعد أسطر قليلة يرجع ثانيةً إلى موضوع ابن عبّاس رضياللهعنه ، إذ قال : «قال ـ [المقصود أبو مخنف] ـ فلمَّا كان من العشىِّ أو من الغدِ أتى الحُسين عبد الله ابن العبّاس ـ [في الرواية السابقة ابن عبّاس فقط] ـ فقال : يابن عمِّ إنِّي أتصبَّر ولا أصبر ؛ إنِّي أتخوَّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ؛ إنّ أهل العراق قوم غدر ؛ فلا تقربنَّهم ؛ أقِم بهذا البلد فإنَّك سيّد أهل الحجاز ؛ فإن كان أهل العراق يُريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ، ثمَّ أَقدِم عليهم ... إلخ»(١). فكيف نقرأ هذا التخبّط من هشام الكلبي أو الطبري ، وما هو المُراد منه؟ لاسيَّما بعد أن أعلن الطبري صراحةً أنّ ابن عبّاس رضياللهعنه قد بايع يزيد وقدَّم له الطاعة والولاء؟. فهل هناك من شكّ بأنَّ هشام أو الطبري أقحما كلَّ هذا للترويج بشرعية علاقة أبناء العمومة للعبّاسيّين بالعلويّين ، وإظهار دورهم المغمور في نهضة الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام.
ولنلاحظ قول ابن كثير في هذا المجال ، إذ قال : «فلمّا مات معاوية سنة ستّين وبويع ليزيد ، بايع ابن عمر وابن عبّاس»(٢). كما نقل ابن كثير روايةً
__________________
(١) المصدر نفسه ٥/٣٨٣.
(٢) كذلك فقد وقف ابن كثير طويلاً على النصائح التي أبداها عبد الله ابن عبّاس رضياللهعنه ؛ إلى درجةِ أنَّه أورد روايةً عن سفيان بن عيينة عن ابن عبّاس نفسهِ ، قال وهو يحثّه على