ومن جهة ثانية نرى محاولة أخرى للطبري الدسَّ في الرواية من خلال إخفاء الحقائق ، بقولهِ : «قال : قلت لأبي جعفر» فالقارئ لأوّل وهلة يحسب أنَّه الطبري نفسه ، كونه دأب على قولهِ «قال أبو جعفر» بمعنى الطبري ، ودليل على هذا أنَّه جرَّد أبي جعفر الباقر عليهالسلام من لقبهِ «الإمام» أو بيان اسمه الأوّل. ولو سلّمنا فلنعد أنّ الرواية صحيحة وليس فيها أيَّة شائبة ؛ فعمّار الدُّهني قال لأبي جعفر عليهالسلام : (حدّثني بمقتل الحُسين كأنِّي حضرته) ولكن القارئ حالما ينتقل إلى جواب الإمام مُحمَّد بن علي الباقر عليهماالسلام لا يجد أىَّ شيء عن مقتل الإمام ، وللبرهان على ذلك ننقل نصَّ الطبري كجواب الإمام لسؤال الدُّهني : «مات معاوية والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة ، فأرسل إلى الحُسين بن علي ليأخذ بيعته ، فقال له : أخِّرني وأرفُق ، فأخَّره ، فخرج إلى مكَّة ، فأتاه أهل الكوفة ورُسُلهم : إنّا قد حبسنا أنفسنا عليك ، ولسنا نحضر الجُمُعة مع الوالي ، فأقدم علينا. وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة ؛ ...»(١). ويستمرّ في ذلك الحديث عن مُسلم بن عقيل رضياللهعنهولا شيء عن مقتل الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، إنَّما تركَّز الحديث واقتصر على مقتل مُسلم فحسب ، وبعد أحاديث بعضها لا يمتّ إلى مُسلم ابن عقيل رضياللهعنه بصلة ، يعود فيقول : «رجع الحديث إلى حديث عمّار الدُّهني ؛
__________________
التهذيب : ٧١٠ ؛ تهذيب التهذيب ٧/٤٠٦ ؛ أعلام بجيلة وخثعم .. وسير بعض الصحابة البجليّين : ٣٠.
(١) تاريخ الرُسُل والملوك ٥/٣٤٧.