الإِلهىُّ ؛ فَلَمْ يُطِعْ خَالِقَهُ ، وَلَمْ يَمتَثِلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ ، وَخَالَفَ مَوْلاَهُ فِي مَا نَهَاهُ عَنْهُ ، وَشَغَلَ عَنِ الطَّاعَةِ بَجَمْعِكَ والاستِكْثَارِ مِنْكَ والْتَهَى بِحِفْظِكَ وَالحِرْصِ عَلَى لَمِّكَ ؛ فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ ، وَلاَ لِشَيء يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ بَلْ وُدُنْيَاهُ سِوَى الانْهِمَاكِ بِكَ ؛ فَصَارَ مَذْمُوماً مَبْغُوضاً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ، وَصِرْتَ أَنْتَ كَذَلِكَ مَذْمُوماً بِسَبَبِ صَيْرورَتِكَ عِنْدَهُ ، وَعَلاقَتِهِ بِكَ وَحُبِّهِ لَكَ ؛ فَتكُونَ حِينَهَا مِصْدَاقاً لِقَوْلِ القَائِلِ(١) :
غَيْرِي جَنَى ، وَأَنا المُعَاقَبُ فِيكُمُ |
|
فَكَأَنَّنِي سَبَّابَةُ الْمُتَندِّمِ |
فَهَذاَ وَجْهُ تعَلُّقِ المَدْحِ والذَّمِّ لَكَ وَبِكَ ، وحِينَها فَالآيَاتُ وَالأَخْبَارُ الوَارِدَةُ فِي مَدْحِكَ وذَمِّكَ إِنَّمَا وَرَدَتْ بِكَ وَبِشَأْنِكَ مِنْ هَذَينِ الجِهَتَينِ.
وَأَمَّا مَنِ اتَّصَفَ بِكَ أَيُّهَا الفَقْرُ ، وَنُسِبَ إِلَيكَ ؛ فَجَمِيعُ مَا قُلْتُهُ فِي الغِنَى جَار بِهِ ؛ فَإنْ كَانَ مِنْ شِيْمَتِهِ الصَّبْرُ عَلَى مَضَضِكَ ، ولَمْ يَشْكُ خَالِقَهُ إِلَى خَلْقِهِ ورَاض بِمَا قَسَمَ لَهُ رَبُّهُ ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاجِباً مِمَّا أَوْجَبَهُ عَلَيهِ اللهُ ، وَلَمْ يَفْعَلْ مُحَرَّماً حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيهِ ، وَسَارَ عَلَى الصِّرَاطِ الذِي أَمَرَهُ اللهُ بالسَّيْرِ فِيهِ ؛ فَهُوَ الْمَمْدُوحُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى المَرْضِيُّ عَنْهُ ، وَصِرْتُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَمْدُوحاً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى أَيْضاً ، وعِنْدَ أُوْلِي الأَلْبَابِ مِنَ الأَوْلِياءِ والصُّلَحاءِ ؛ بَلْ وَالأَنْبِياءِ
__________________
(١) القائل هو ابن شرف القيرواني وقبله :
ولو أنّني عوقبت فيما قد جنى |
|
غيري لقلت إذاً ولم أتلعثم |
كما في خزانة الأدب ٢/٤١١. وابن شرف القيرواني : محمّد بن سعيد بن أحمد بن شرف الجذامي القيرواني ثمّ الأندلسي الشاعر المتوفّى سنة (٤٦٠) ستّين وأربعمائة له أبكار الأفكار نظماً ونثراً. هديّة العارفين ٢/٧٢.