غَضِبَ وحَلَفَ عَلَيهَا أَنْ يَضْرِبَها مَائَةً ؛ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ كَانَ سَبَبُهُ كِيت وَكِيتْ ؛ فَاغْتَمَّ أَيُّوبُ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيهِ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ)(١) ؛ فَأَخَذَ مَائَةَ شِمْرَاخ فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً ، فَخَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ ؛ ثُمَّ قَالَ : (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الألْبَابِ)(٢) ، قَالَ : فَرَدَّ اللهُ عَلَيهِ أَهْلَهُ الذِينَ مَاتُوا قَبْلَ البَلِيَّةِ ، وَرَدَّ عَلَيهِ أَهْلَهُ الذِينَ مَاتُوا بَعْدَ مَا أَصَابَهُمُ البَلاءُ كُلُّهُمْ أَحْيَاهُمُ اللهُ تَعَالَى لَهُ ؛ فَعَاشُوا مَعَهُ ، وَسُئِلَ أيُّوبُ بَعْدَ مَا عَافَاهُ اللهُ : أَيُّ شَيء كَانَ أَشَدَّ عَلَيكَ مِمَّا مَرَّ عَلَيكَ؟ قَالَ : شَمَاتَةُ الأَعْدَاءِ ، قَالَ فَأَمْطَرَ اللهُ عَليهِ فِي دَارِهِ فَرَاشَ الذَّهَبِ ، وَكَانَ يَجْمَعُهُ ؛ فَإِذَا ذَهَبَ الرِّيحُ مِنْهُ بِشَيء عَدَا خَلْفَه فَرَدَّهُ ، فَقَالَ لَهُ جِبْرئِيلُ : مَا تَشْبَعُ يَا أَيُّوبُ؟ قَالَ : وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رِزْقِ رَبِّهِ؟)(٣) ..الْحَدِيث.
فَانْظُرْ كَيْفَ هَدَّدَ اللهُ تعَالَى نَبِيَّهُ أَيُّوبَ عليهالسلام معَ أنَّهُ قَدْ صَبَرَ صَبْراً جَمِيلا ؛ بَلْ أَدَّى مَقَامَ الصَّبْرِ شُكْراً وَحَمْداً كَمَا سَمِعْتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (أَتَمُنُّ عَلَى اللهِ بِمَا للهِ الْمَنُّ فِيهِ عَلَيكَ؟)(٤) ؛ وَإِنَّما صَدَرَ مِنْ أَيُّوبَ هَذَا الكَلامُ لِعَدَمْ عِلْمِهِ عليهالسلام بِفَائِدَةِ ابْتِلائِهِ بهَذا البَلاءِ ، وَسَمِعَ مِنَ الرُّهْبانِ مَا سَمِعَ تَمَنَّ بِبَالِهِ أنَّ هَذا البَلاءَ
__________________
(١) سورة ص : ٤٤.
(٢) سورة ص : ٤٣.
(٣) تفسير القمي : ٥٦٩ ـ ٥٧١ ، البحار ١٢/٣٤٤.
(٤) يقصد في الرواية السابقة لا آية قرآنية.