شِرَتِكَ وَبَطَرِكَ للسَّيْرِ فِي أَضْيَقِ المَسَالِكِ ؛ فَجَعَلْتَ جَمْعاً مِنْهُمْ مِنَ الذِينَ يَخْسَرُونَ وَلاَ يُفْلِحُونَ ، وَقَوْماً مِنْهُمْ مِنَ الذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ، وآخَرِينَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَبِنِعَمِهِ يَكْفُرُونَ ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ أَنْبِياؤُهُ وُرُسُلُهُ يُكَذِّبُونَ ، وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللهِ فِي وَصْفِهِمْ إِنَّهُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ، وَكَمْ أَوْقَعْتَ الْعَدَاوَةَ والبغْضَاءَ ، والْحِقْدَ والْحَسَدَ والشَّحْنَاءَ ، بَيْنَ الْمَرْءِ وأَبِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، وَعَشِيرَتِهِ التِيْ تَؤْوِيهِ ؛ فَتَفَرَّقُوا بِسَبَبِكَ أَيْدِي سَبَأ(١) ، وَجَعَلْتَ جَمْعَهُمْ مُفَرَّقاً ، وَنَسِيجَ شَمْلِهِمْ الْقَوِيِّ مُمَزَّقاً ؛ فَهَامُوا فِي بِيَدِ الْقِفَارِ ، وَضَاعُوا فِي مَهَامِهِ السُّهُولِ وَالأَوْعَارِ ، وَقَاسَوْا شَدَائِدَ الْمَخَاوِفِ وَالأَخْطَارِ ؛ فَلا يَوَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَرَى حَمِيمَهُ بِبَصَر ؛ بَلْ يَتَمَنَّى حُلُولَ الْبُؤْسِ فِيهِ وَالْخَطَرِ ، وَأَنْ لاَ يَبْقَى لَهُ فِي وَجْهِ الأَرْضِ أَثَراً ؛ فَبِهَذِهِ الْفِعَالِ تَتَمَدَّحُ؟! وَبِهَذِهِ الْخِصَالِ تَتَبَجَّحُ؟! ، وَبِهَذِهِ الآثَارِ عَلَى غَيْرِكَ تَنْزَحُ؟! كَلاَّ ، ثُمَّ كَلاَّ ، وَلاَ غِرْوَ لَوْ أَضَفْتَ قَوْلَ الأَدِيبِ الْمَاهِرِ لَمَا قُلْتَ مُؤَيِّداً وَمُؤَكِّداً ، حَيْثُ قَالَ(٢) :
__________________
(١) قال الفيروزآبادي : (وتفرّقوا أيدي سبا ، وأيادي سبا : تبدّدوا ، بنوه على السكون وليس بتخفيف عن سبأ ، وإنّما هو بدل ، ضرب المثل بهم لأنّه لمّا غرق مكانهم وذهبت جنّاتهم تبدّدوا في البلاد) ، وللميداني في مجمع الأمثال كلام طويل راجع إن شئت ١/٢٨٧ ولفظه : ذهبوا أيدي سبا ، وتفرّقوا أيدي سبا في ١/١٧ ، ٤/٣٤٠ ، من القاموس المحيط.
(٢) هذان البيتان منسوبان لأمير المؤمنين عليهالسلام في ديوانه : ٩٠ ، جمع وإعداد مصطفى زماني ، وفي الوافي بالوفيات ١٧/٣٣٩ نسبه إلى مخلص الدين الطوخي عبد الله بن المفضّل بن سليم ، ويعرف بضياء الدين أيضاً ، المتوفّى سنة (٦٨٣هـ). ترجمته في الوافي ١٧/٣٣٩.