اخْضَرَّ لَهَا مَدَى الدَّهْرِ عُودٌ ؛ فَاقْنَعْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ ذِكْرِ آثَارِي عَنِ الإِطْنَابِ ، وَلاَ تُحْوِجْنِي إِلَى التَّطْويلِ فِيهَا وَالإِسْهَابِ ؛ فَإنَّ سَدَّ هَذَا الْبَابِ خَيْرٌ مِنْ فَتْحِهِ عِنْدَ أُوْلِي الأَلْبَابِ ، وَاللهُ الْمُوفِّقُ لَنَا وإِيَّاك إِلَى سُلُوكِ نَهْجِ الْحَقِّ وَالصَّوابِ.
فَانْبَعَثَ الْفَقْرُ مُتَكَلِّماً بِكَلام أَشَدُّ وَقْعاً مِنْ ضَرْبِ الحُسَامِ ، وَآلَمُ(١) مِنْ سَفَعَاتِ(٢) لَهَبِ الضِّرَامِ ، وَمُوجِّهاً خِطَابَهُ نَحْوَ الغِنَى : أَوَ مَا بَلَغَكَ قَولُهُ عليهالسلام الْمَرْوِي عَنْهُ بِطُرُق(٣) مُعْتَبَرَة : (رَحِمَ اللهُ اِمْرِءاً عَرَفَ قَدْرَهُ ، وَلَمْ يَتَعدَّ طَوْرَهُ)(٤) ، وَقَوْلُهُ عليهالسلام : (الإِنْصَافُ كُلَّ الإِنْصَافِ مَنْ أَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ)(٥) ، وَقَوْلُهُ عليهالسلام : (رَحِمَ اللهُ مَنْ شَغَلَتْهُ عُيُوبُ نَفْسِهِ عَنِ النَّظَرِ فِي عُيُوبِ النَّاسِ) ، وَقَوْلُهُ عليهالسلام : (رَحِمَ اللهُ اِمْرِءاً نَظَرَ فِي عُيُوبِ نَفْسِهِ ؛ فَشَغِلَتْهُ عَنِ النَّظَرِ فِي عُيُوبِ غَيْرِهِ)(٦) ، وَقَوْلُهُ عليهالسلام : (وَيْلٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ أَخِيهِ
__________________
(١) قد تقرأ (ألدّ). والألدّ معناه في كلام العرب الشديد الخصومة والجدال ، يقال : رجل ألدّ من قوم لُدٍّ. ينظر : الزاهر في معاني كلمات الناس : ٦٨٣.
(٢) الأصل بالسفع الأخذ بالناصية ، والسفعة : سواد في خدّي المرأة. العين١/٣٤٠.
(٣) كلمة (طريق) هنا حقّها أن تجمع على (طرائق) لأنّها جمع طريقة ، ولكن مصطلح(طرق الحديث) من مصطلحات علوم الحديث ؛ والاستعمال حاكم.
(٤) غرر الحكم : الحديث : ٥٢٠٤ ، ٥٢٠٥.
(٥) أصول الكافي ٢/١٤٦ ، باب الإنصاف والعدل خبر ١٢ من كتاب الإيمان والكفر ، وفيه (من أنصف الناس من نفسه رُضي به حكماً لغيره).
(٦) هذا الحديث والذي قبله مرويّان بالمعنى ، وفي نهج البلاغة : ٥٣٦ (ومن نظر في عيوب الناس فأنكرها ثمّ رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه) ، وروى الميداني في مجمع الأمثال ٢/٤٥٤ من قوله عليهالسلام : (من نظر في عيوب الناس) إلى (بعينه).