أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعل الذي معك مثل الذي معي ، فقال : وما الذي معك ؟ قال سويد : مجلة لقمان ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إعرضها عليّ فعرضها عليه ، فقال له : إن هذا الكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى ، هو هدى ونور (١).
وإذا كان اهتمام العرب في الجاهلية ، بمثل هذا المستوى من الجمع والتدوين للموروث الثقافي أو الديني ، فكيف يكون اهتمامها بالقرآن الكريم ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيهم يدعوهم إلى حفظه ومدارسته والقيام به. لكأنني بالآية حينما يتلوها الرسول الأعظم تتلاقفها الصدور لتدونها في السطور ، ولقد كان من سيرته متى ما أسلم أحد من العرب دفعه إلى الذين معه ، فعلموه القرآن. وإذا هاجر له أحد من أصحابه أوكله إلى من يعلمه القرآن : « فكان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى رجل من الصحابة يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا » (٢).
إذن ، كيف كان يتم تعليم القرآن ؟ وكيف كانت تلاوته ؟ لا أشك أن ذلك كان في مدون ما ، ولا يمنع ذلك من الحفظ في الصدور.
يقول محمد عبد الله دراز : « إن النص المنزل لم يقتصر على كونه ( قرآناً ) أو مجموعة من الآيات تتلى أو تقرأ ، وتحفظ في الصدور ، وإنما كان أيضا ( كتاباً ) مدوناً بأعداد. فهاتان الصورتان تتضافران وتصحح كل منهما الأخرى. ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي » (٣).
ومما يدل على تدوينه وكتابته مجموعاً في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مضافاً إلى ما سبق بيانه ـ ما يلي :
١ ـ كان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا نزلت عليه الآية من السورة دعا من يكتب له فيقول : ضعها في موضع كذا وكذا من السورة. وهذا من أوضح الأدلة على أن
__________________
(١) ظ : ابن هشام ، السيرة النبوية : ٢ / ٦٨ + الزمخشري ، الفائق : ١ / ٢٠٦.
(٢) الزرقاني ، مناهل العرفان : ١ / ٢٣٤.
(٣) محمد عبد الله دراز ، مدخل إلى القرآن : الكريم : ٣٤.