٣ ـ ومن المشهور الذي لا يجهل أن عمر بن الخطاب (رض) أقام من صلى التراويح بالناس في ليالي رمضان ، وأمره أن يقرأ في الركعة الواحدة نحوا من عشرين آية ، فكان يحيى القرآن في الشهر مرتين. ومعلوم أن ذلك لم يكن من المصحف الذي كتبه زيد ، لأن المصاحف لم تنسخ منه (١).
وهذا تصريح بوجود المصاحف المغايرة لما استنسخه زيد ، وأن سيرة المسلمين عليها إذ لم يعمم مصحف زيد.
وصاحب الرأي السابق يذهب صراحة أن القرآن كان منظوماً ومجموعاً على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
* * *
وقد يقال بأن الكتابة كانت محدودة في عصر الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد يحول هذا دون تدوين القرآن ، فيقال إن عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعصر أبي بكر واحد ، فما يقال هناك يقال هنا. على أن موضوع الكتابة لا يخلو من مبالغة ، فهي وإن كانت محدودة النطاق ، ومقتصرة على طبقة من الناس ، فإننا نشكك كثيراً في تحديد الأرقام التي أوردها المؤرخون ، ولنا عليها مؤاخذات ليس هذا موطن بحثها ، ويزداد شكنا حينما نلمح البلاذري يقول : « دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً يكتب » (٣).
أو ما أورده ابن عبد ربه الأندلسي « لم يكن أحد يكتب بالعربية حين جاء الإسلام ، إلا بضعة عشر رجلاً » (٤).
لا ريب أن العرب كانت أمة أمية ، إلا أن هذه الأرقام لا تتناسب مع ذكر القرآن للكتابة وأدواتها ومشتقاتها بهذه الكثرة. على أن للأمية دلالات أخرى لعل من أفضلها تعليلا ما رواه ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى ( هوَ الذي بعثَ
__________________
(١) ، (٢) المصدر نفسه : ٣١.
(٣) البلاذري ، فتوح البلدان : ٤٧٧.
(٤) ابن عبد ربه ، العقد الفريد : ٤ / ٢٤٢.