ولقد وقفت من هذه الروايات موقف المندهش تارة ، وموقف المتحير تارة أخرى ، وقررت في النهاية دراستها في موضوعية خالصة ، أخلص منها إلى نتائج سليمة ، قد تقارب الواقع وتتجه نحو الصواب بإذن الله.
وهذه الدراسة تعنى بالاستنباط القائم على أساس الاجتهاد الفكري ، والاجتهاد معرض للخطأ والصواب ، وهي لا تمس القرآن ولا الحديث ، وإنما تسير بينهما هامشياً ، فالقرآن هو القرآن أنى كانت طرقه ، وليس في جميع روايات الجمع ما هو مرفوع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
من خلال ما تقدم نظفر بحصيلتين متعارضتين :
الأولى : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مات والقرآن بعد لم يجمع في مصحف.
الثانية : أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مصحف.
يدل على الحصيلة الأولى طائفة الروايات المتناثرة لإثبات الفقرات أ ، ب ، ج ، د.
ويدل على الحصيلة الثانية طائفة الروايات والدلائل والبراهين لإثبات الفقرة ه.
ولسنا نحاول تفنيد روايات الحصيلة الأولى بقدر ما يهمنا إثبات حقيقة الحصيلة الثانية. لقد تتبع السيد الخوئي ـ فكفانا مؤنة الخوض في ذلك ـ روايات الجمع بناء على الحصيلة الأولى في كل من صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وكنز العمال ، ومنتخب كنز العمال ، والاتقان للسيوطي ، وكان أهم هذه الروايات من خلال تعقيبه عليها ـ غثها وسمينها ـ إثنتان وعشرون رواية (١).
وقد خلص إلى تناقضها في تعيين العهد الذي جمع فيه القرآن مترددا بين عهود أبي بكر ، عمر ، عثمان ، ومن هو المتصدي لذلك ؟ هل هو أبو بكر ، أو عمر ، أو زيد بن ثابت ؟ وهل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمن عثمان ؟ ومن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن ؟ ومتى
__________________
(١) الخوئي ، البيان : ٢٤٠ ـ ٢٤٦.