وثانيها : إنّ تقدير الذهاب ببريد والرجوع ببريد يدلّ على حصر الموجب في قطع البريدين وأنّه لمّا كان لفظ اليوم يطلق على الطويل والقصير ، والسير منه البطي والسريع لم يعلّق الشارع أنّه على ما تختلف مقاديره ، ومقادير السير فيه ، بل عيَّن مقداراً مضبوطاً يقطع في الأغلب في يومه وجعله مناط القصر ، والرضا عليه السلام إنّما أوجب القصر في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر لأنّ الثمانية فراسخ مسيرة يوم كالصريح في ذلك.
وثالثها : إنّ مراجعة السائل وقوله : قلت بريد؟ ، واستقلاله البريد وقناعته بقوله شغلوا يومه وخلوّ الكلام من تقدير المسافة يدلّ على أنّ السائل كان يعلم أنّ المسافة بريدان مسيرة يوم وعلى أنّ الامام عليه السلام أحاله بقوله شغل يومه على ما يعلمه وبيَّن له أنّ هذا بريدان مسيرة يوم ، وأنّ الإعلام بأنّه إذا ذهب بريداً أو رجع بريداً في يوم شغله لا يدلّ على أنّ المسافة مسيرة يوم ، والحكيم لا يُبيِّن المجمل بالمجهول ، ولا يجب بقوله شغل يومه إلاّ من يعلم أنّ المسافة مسيرة يوم ، وإذا كان الأمر كذلك فاتّحاد الموجب يقتضي اتّحاد الحكم فكما أنّ القصر في بريدين ذاهباً لا يتوقّف على قطعها في تقدير واحد فكذلك القصر في بريد ذاهباً وبريد جائياً لا يتوقّف على قطعهما والله أعلم.