فالصحيح ان يقال انه لا مدفع لهذا الإشكال بناءً على نظرية المشهور من ان الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ، ضرورة عدم إمكان تخلف الوجود عن الإيجاد. وأما بناء على نظريتنا من ان الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباري النفسانيّ في الخارج بمبرز من قول أو فعل كما حققناه في مبحث الخبر والإنشاء بشكل موسع يندفع الإشكال المذكور من أصله ، والسبب في ذلك هو أن المراد من الإيجاب سواء أكان إبراز الأمر الاعتباري النفسانيّ أم كان نفس ذلك الأمر الاعتباري ، فعلى كلا التقديرين لا يلزم محذور من رجوع القيد إلى مفاد الهيئة. اما على الأول : فلان كلا من الإبراز والمبرز والبروز فعلى فليس شيء منها معلقاً على امر متأخر وهذا ظاهر. وأما على الثاني فلان الاعتبار بما انه من الأمور النفسانيّة التعليقية يعني ذات الإضافة كالعلم والشوق وما شاكلهما من الصفات الحقيقية التي تكون كذلك فلا مانع من تعلقه بأمر متأخر كما يتعلق بأمر حالي ، نظير العلم فانه كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلق بأمر استقبالي. وعلى الجملة فكما يمكن تأخر المعلوم عن العلم زمناً كقيام زيد غداً أو سفره أو نحو ذلك حيث أن العلم به حالي والمعلوم امر استقبالي ، فكذلك يمكن تأخر المعتبر عن الاعتبار بان يكون الاعتبار حالياً والمعتبر امراً متأخراً كاعتبار وجوب الصوم على زيد غداً أو نحو ذلك ، فالتفكيك انما هو بين الاعتبار والمعتبر ولا محذور فيه أصلا ، ولا يقاس ذلك بالتفكيك بين الإيجاد والوجود في التكوينيات أصلا.
ومما يشهد لما ذكرناه صحة الوصية التمليكية فلو قال الموصى هذه الدار لزيد بعد وفاتي فلا شبهة في تحقق الملكية للموصى له بعد وفاته ، مع ان الاعتبار فعلى ، ومن البديهي ان هذا ليس الا من ناحية ان الموصى اعتبر فعلا الملكية للموصى له في ظرف الوفاة. ومن هنا لم يستشكل أحد