ولا سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنك والله ما تبصّر من عمى ولا تعلّم من جهل ، وإن الطريق لواضح بيّن ، وإن أعلام الدين لقائمة.
تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة وأمات بدعة متروكة ، فو الله إنّ كلّا لبيّن ، وإن السنن لقائمة لها أعلام ، وإن البدع لقائمة لها أعلام.
وإن شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلّ وضلّ به ، فأمات سنة معلومة ، وأحيا بدعة متروكة.
وإني سمعت رسول الله يقول : «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ويلقى في جهنم ، فيدور في جهنّم كما تدور الرّحى ثم يرتطم في غمرة جنهم».
وإني احذّرك الله واحذّرك سطوته ونقماته فإن عذابه أليم شديد ، واحذّرك أن تكون إمام هذه الامّة المقتول! فإنه كان يقال : يقتل في هذه الامة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، ويلبّس عليها امورها ويتركهم شيعا ، فلا يبصرون الحق لعلوّ الباطل ، يموجون فيه موجا ويمرجون مرجا! وسكت.
فقال له عثمان : والله لقد علمت الذي قلت (ولكن) والله لو كنت مكاني ما عنّفتك ولا أسلمتك ولا عبت عليك ، ولا جئت منكرا أن وصلت رحما وسددت خلّة (١) وآويت ضائعا ، وولّيت شبيها بمن كان يولّيه عمر ... فهل تعلم أن عمر ولّى معاوية في خلافته كلّها وأنا ولّيته!
__________________
(١) إلى هنا رواه المفيد في الجمل : ١٨٧ ، عن المدائني والرضي في نهج البلاغة ، الخطبة ١٦٤ ، وأقدم مصدر للخبر أنساب الأشراف ٥ : ٦٠ ، وانظر المعجم المفهرس لنهج البلاغة : ١٣٨١.