خطبته عليهالسلام بعد جمعه القرآن :
روى الكليني بسنده عن الباقر عليهالسلام قال : إن أمير المؤمنين عليهالسلام حين فرغ من تأليف القرآن وجمعه بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، خطب الناس بالمدينة فقال :
الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلى وجوده ، وحجب العقول أن تتخيّل ذاته .. إلى أن قال : إن القوم لم يزالوا عبّاد أصنام وسدنة أوثان يقيمون لها المناسك ، وينصبون لها العتائر (الذبائح) وينحرون لها القربان ، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ، ويستقسمون بالأزلام ، عامهين عن الله عزّ ذكره ، حائرين عن الرشاد ، مهطعين إلى البعاد ، وقد استحوذ عليهم الشيطان ، وغمرتهم سوداء الجاهلية ، ورضعوها جهالة وانفطموها (كذا) ضلالة ...
فأخرجنا الله إليهم رحمة ، وأطلعنا عليهم رأفة ، وأسفر بنا عن الحجب ، نورا لمن اقتبسه ، وفضلا لمن اتّبعه ، وتأييدا لمن صدّقه. فتبوّءوا العزّ بعد الذلة ، والكثرة بعد القلّة ، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها ، وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة ، وأمن بعد الغوث وجمع بعد كوف (١) ، وأضاءت بنا مفاخر معدّ بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدى ، وأدخلناهم دار السلام ، وأشملناهم ثوب الإيمان ، وفلجوا بنا في العالمين ، وبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين : من حام مجاهد ، ومصلّ قانت ، ومعتكف زاهد ، يظهرون الأمانة ، ويأتون المثابة ...
وقال عليهالسلام : وما من رسول سلف ولا نبيّ مضى ، إلّا وقد كان مخبرا أمّته بالمرسل الوارد من بعده ، ومبشّرا برسول الله ، وموصيا قومه باتباعه ،
__________________
(١) تكوف : التفّ وتجمّع كما في مجمع البحرين ٥ : ١١٦ ، ولعلّه من الأضداد.