فجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ، ورأيت عينه قد انقلبت ـ من شدة الجوع ـ فبكيت وقلت له : يا أبت كيف أصنع بك وأنا وحيدة.
فقال : يا بنيّة ، لا تخافي ، فإني إذا متّ جاءك من أهل العراق من يكفيك أمري ، فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزوة تبوك فقال : «يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك ، ويسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك» فإذا أنا متّ فمدّي الكساء على وجهي ، ثم اقعدي على طريق العراق ، فإذا أقبل ركب فقومي إليهم وقولي : هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد توفى ... فلما عاين الموت سمعته يقول : مرحبا بحبيب أتى على فاقة ، لا أفلح من ندم ، اللهم خنقني خناقك فإنك تعلم أني أحبّ لقاءك. ثم مات ، فمددت عليه الكساء ثم قمت فقعدت على طريق العراق ، فجاء نفر ، فقمت إليهم وقلت لهم : يا معشر المسلمين! هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد توفى! وكان فيهم الأشتر مالك بن الحارث النخعي الهمداني.
فنزلوا ومشوا يبكون حتى غسلوه وكفّنوه وصلّوا عليه ودفنوه (١).
هذا ما رفعه القمي في تفسيره بينما أسند معاصره الكشيّ في رجاله عن محمد بن الأسود النخعي أنه خرج من الكوفة يريد الحج مع مالك الأشتر النخعي ومعه رفاعة بن شدّاد البجلي وعبد الله بن وال التميمي (عام ٣٢ ه) قال : حتى قدمنا الربذة ، فإذا امرأة على قارعة الطريق نادتنا : يا عباد الله المسلمين ، هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد هلك غريبا ليس له أحد يعينني عليه! فاسترجعنا لعظم المصيبة ، وتعاونّا على غسله وتنافسنا في كفنه ثم قدّمنا مالك الأشتر فصلّى عليه ثم دفناه ، فقام الأشتر على قبره وقال :
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦.