وبلغ ذلك أهل الحصار فجزّوا نواصيهم متعاقدين على الموت وأن لا يفرّوا.
فلما أصبحوا خرجوا يقاتلون بفناء الحصن وعلى كل طريق من الطرق الثلاثة حتى انهزموا (١).
وكان النعمان بن الجون الكندي الذي أهدى ابنته إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال أزيدك أنها لم تجع شيئا قط! فقال : لو كان لها عند الله خير لاشتكت ، ورغب عنها (٢) وطلّقها ، كان هو وابنته في عدن باليمن ، فلما نزلها عكرمة خطبها وتزوجها وأوصلها أبوها إلى عكرمة وهو بالجند ينتظر المهاجر. وكان الأشعث علم ذلك فبعث إلى عكرمة بطلب الأمان فآمنه وأوصله إلى المهاجر ، واستأمن منه لنفسه وماله وتسعة معه وأهليهم ، على أن يفتحوا لهم الباب فيدخلوا على قومه! فقال له المهاجر : اكتب ما شئت وهلمّ إلى أختمه ، فكتب أمانهم ولما لم يبق إلّا أن يكتب نفسه وثب عليه أحدهم بشفرته وهدّده أن يكتبه ، فتعجل وكتبه ودهش أن يكتب نفسه ، ثم جاء بالكتاب فختمه ، ورجع فسرّ بهم ، ثم فتح الباب.
فاقتحمه المسلمون وقتلوا المقاتلين ، وفي الحصن ألف امرأة فسبوهنّ ، وجاء الأشعث باولئك النفر فعرضهم على كتابه فإذا ليس فيه اسمه ، فقال المهاجر : الحمد لله الذي أخطأ نوءك (نجمك) يا عدوّ الله وهمّ بقتله ، فشفع له عكرمة أن يبعث به مع السبايا إلى أبي بكر ، فقبل المهاجر المشورة وبعث به مع السبي ، فكان سبايا قومه يلعنونه لغدره بهم.
__________________
(١) الطبري ٣ : ٣٣٣ ـ ٣٣٦.
(٢) الطبري ٣ : ٣٣٧ و٣٤٠ ، وفي اليعقوبي ٢ : ٨٥ : أن عكرمة تزوج قتيلة اخت الأشعث الكندي.