وكتب : بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي من المؤمنين والمسلمين. أما بعد :
فإن الله بعث محمدا صلىاللهعليهوآله بشيرا ونذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل ، وشهيدا على الأمة ، وأنتم معشر العرب على شرّ دين ، تنحتون من حجارة خشن من صفاة صمّ ، تسفكون دماءكم وتقتلون أولادكم وتقطّعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل ، سبلكم خائفة ، والأصنام فيكم منصوبة. فمنّ الله عزوجل عليكم بمحمد فبعثه إليكم رسولا.
.. فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله حميدا سعيدا ، مرضيّا عمله مشكورا سعيه ، فيا لها من مصيبة خصّت الأقربين وعمّت جميع المسلمين. فلما مضى لسبيله ترك كتاب الله وأهل بيته : إمامين لا يختلفان وأخوين لا يتخاذلان ومجتمعين لا يفترقان.
.. فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي : أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلىاللهعليهوآله عنّي! فلما أبطئوا بالولاية عليّ وهمّوا بإزالتها عنّي ، وثبت الأنصار ـ وهم كتيبة الإسلام ـ فقالت : إذا لم تسلّموها لعلي فصاحبنا سعد بن عبادة أحق بها من غيره! فو الله ما أدري إلى من أشكو؟ إما أن تكون الأنصار ظلمت حقّها ، وإما أن يكونوا ظلموني ، بل حقي المأخوذ وأنا المظلوم.
وقال قائل من القوم : إن رسول الله استخلف أبا بكر في حياته ؛ لأنه أمره أن يصلّي بالناس ، والصلاة هي إمامة! فعلام المشورة فيه إن كان رسول الله استخلفه؟
.. فبينا أنا على ذلك إذ قيل : قد انثال الناس على أبي بكر واجفلوا عليه ليبايعوه! وما ظننت أنه تخلف عن جيش أسامة ؛ إذ كان النبيّ قد أمّره عليه وعلى صاحبه ، وقد كان أمر أن يجهّز جيش أسامة.
فلما رأيته قد تخلّف وطمع في الإمارة ، ورأيت انثيال الناس عليه ... ورأيت أني أحق بمقام محمد في الناس ممن قد فرض نفسه ... فأمسكت يدي ولبثت ما شاء الله.