وليس لهم أن يقولوا : أيّ حاجة به إلى التّمييز (١) ، وأيّ شيء فعله (٢) كان الواجب ، وذلك أنّ الأمر إذا كان على ما ذكروه ، فهو تصريح بوجوب الثّلاث ، لأنّه إذا كان أيّ شيء فعله منها فهو الواجب ، فهل هذا إلاّ تصريح بأنّ الكلّ واجب.
فإن (٣) قالوا : ليس يمتنع أن يكون اختيار المكلّف له (٤) علما على وجوبه وتعيّنه (٥) ، قلنا : هذا يؤدّى إلى مذهب مويس (٦) بن عمران ، في أنّ الله تعالى يكلّف العبد أن يختار ما يشاء (٧) من العبادات ، ويكون مصلحة باختياره ، لأنّ الله تعالى (٨) علم (٩) أنّه لا يختار إلاّ الصّلاح من غير أمارة مميّزة متقدّمة. ويلزم عليه أن يكلّف تمييز نبيّ صادق ممّن ليس بنبيّ من غير أمارة ولا دلالة مميّزة متقدّمة (١٠).
وبعد ، فإنّ اختيار المكلّف إنّما يكون تابعا لأحوال الفعل وصفاته ، ولا تكون (١١) أحوال الفعل تابعة لاختيار المكلّف وإرادته ، ألا ترى أنّ وجوب الفعل هو الدّاعي إلى اختياره له على غيره ، فيجب أن يتقدّم العلم بالوجوب على الاختيار ، ولا يجعل الاختيار متقدّما (١٢) على الوجوب.
__________________
(١) ج : التميز.
(٢) ب : فعلمه.
(٣) ب : وان.
(٤) ب : ـ له.
(٥) الف : تعيينه ، ج : بعينه.
(٦) ب : مونس ، القاموس المحيط گويد : مويس كأويس ابن عمران متكلم. (ج ٢ ، ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، ط مصر).
(٧) ب وج : شاء.
(٨) الف : ـ تعالى.
(٩) ج : ـ علم.
(١٠) ج : ـ ويلزم ، تا اينجا.
(١١) ب وج : يكون.
(١٢) الف : ـ بالوجوب ، تا اينجا.