باب التصرّف بالقرآن المشهور بين المسلمين ، أو قل المتواتر بين المسلمين.
إذن الإمام عليهالسلام قد جمع الموجود من الآيات في الألواح والعسب والرقّ ، أي وحدَّها في مصحف واحد مجموع في ثلاثة أيّام ، ثمّ احتفظ بها كي تكون أصلاً يرجع إليه لو اشتدّ الخلاف بين المسلمين.
ويعود عدم تقديم الإمام عليّ عليهالسلام مصحف التلاوة ـ أعني المجرّد عن التفسير ـ للناس ، لمعرفته بأنّهم كانوا قد ألّفوا آيات ذلك الكتاب العزيز وحفظوه وكانوا يَقْرَؤون به في صلواتهم بجوف الليل ومنذ أيّام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولهم دويّ كدويّ النحل ؛ إذ جاء في الأخبار : بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يمرّ على بيوت الأنصار ويستمع إلى نداء أصواتهم بالقراءة في بيوتهم(١). لذلك اكتفى الإمام عليهالسلام بتقديم المصحف المفسّر لإتمام الحجّة عليهم.
والزبدة هي أنَّ الإمام عليّاً عليهالسلام في أكبر الظنّ كان لا يرى ضرورة في تقديم مصحفه المجرّد للناس لأُنسهم به وتلاوتهم لآياته ، أو قُلْ لاشتهاره وتواتره بينهم ، ولأنّهم كانوا يعرفونه كما يعرفون آباءَهم وأبناءهم وبلدانهم ، لكنّه ومع كلّ ذلك احتفظ بنسخة منه لنفسه ولأهل بيته.
ومعنى كلامي أنّ كلّ ما أثاروه من إعلام وضجّة حول جمع الخلفاء للقرآن كان يعني الاستنقاص من النبوّة والتعريض برسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وفي المقابل الرفع بضبع الخلفاء والارتفاع بمنزلتهم حتّى على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لكنّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) انظر مثال ذلك في صحيح البخاري ٤/١٥٤٧/ح ٣٩٩١ ، باب غزوة خيبر ، وصحيح مسلم ٤ /١٩٤٤/ح ٢٤٩٩ ، باب فضائل الأشعريّين.