فلو كان ترتيب المُصْحَف توقيفيّاً لم يختلف ترتيب السُّور في مصاحف كبار الصَّحابة كعليّ بن أبي طالب وأُبيّ بن كعب وعبدالله بن عبّاس وعبدالله بن مسعود ومُعاذ بن جَبَل وعائشة أُمّ المؤمنين وزيد بن ثابت ، فكلّ واحد من هؤلاء كتب مُصْحَفه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فمُصْحَف عليّ كان أوّله : اقرأ ثمّ المدّثّر ثمّ ن وهكذا إلى آخر المكّيّ والمدنيّ. ومُصْحف ابن مسعود كان أوّله : البقرة ثمّ النّساء ثمّ آل عمران على اختلاف شديد. وقد ذكر ابن النَّديم في كتابه الفهرست ترتيب سُوَر مصاحف بعض الصَّحابة ، كما ذكره أيضاً السيوطيّ في كتابه : الإتقان ، فراجعهما إن شئت.
فلو كان هناك أمر صريح أو إشارة خفيّة من النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في ترتيب سُوَر المُصْحَف لما عَزَب ذلك على هؤلاء ، وهم من أجلاّء الصَّحابة وأكثرهم اتّصالاً به (عليه الصّلاة والسّلام ...»(١).
وقد نقل القرطبي بعد ذكره (ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته) كلام ابن بطّال : « ... ومن قال بهذا القول ـ [أي بتوقيفية السور] ـ لا يقول : إنّ تلاوة القرآن في الصّلاة والدّرس يجب أن تكون مرتّبةً على حسب التّرتيب الموقّف عليه في المُصْحَف ، بل إنّما يجب تأليف سُوَرة في الرَّسم والخطّ خاصّة ، ولا يُعلم أنّ أحداً منهم قال : إنّ ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه ، وأنّه لا يحلّ لأحد أن يتلقّن الكهف قبل
__________________
(١) تاريخ القرآن وغرائب رسمه كما في نصوص في علوم القرآن ٣ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤.