ولكن لايخفى أنّ الوقف وإن كان متداولاً في الأمم السابقة لكنّه لم يحظ بالشرائط والمواصفات التي قرّرها الإسلام ، ووضع ضوابطها في سياق مستقلٍّ بقواعده ومصادره لصيانة العين الموقوفة ، والعمل على استثمارها ، ورعاية حقوق الموقوف عليهم ، والعمل بشروط الواقف حين وقف ماله ، فلم يكن الوقف نظام تجميعي لعادات وأعراف سبقت الإسلام عند بعض الأمم وتابعهم المسلمون فأخذوه عنهم ، والدليل على هذا المدّعى ـ كما يقولون ـ وجود التشابه بين الوقف وبين بعض التصرّفات الأخرى لدى الأمم السابقة(١) لوجود وجه شبه بينها وبين الوقف.
أقول : إنّ هذا التشابه قد يقع ، لكنّ التشابه بينهما لايجعل أحدهما مرادفاً للآخر ، وإنّما يظلاّن مفهومين مختلفين ، فالإنفاق على المعابد والكنائس من قبل الناس أو أيّ نوع من التصرّفات المالية وإن شابهت الوقف لايجعلها وقفاً ، وإنّما اصطلح عليها وقفاً أو حبس العين عن التملّك أو التمليك لقلّة العبائر وضيق الخناق كما يقال.
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنّ الوقف في الأمم السابقة لم يكن له من الشمول والسعة بحيث امتدّت دائرته إلى جميع وجوه البرّ والإحسان كما هو الحال في الدين الإسلامي الذي رعى فيه الوقف : المساجد ، والمدارس ، والمكتبات ، وحفظ المخطوطات وتحقيقها ، وبناء المشاهد المشرّفة والحسينيّات ، والمستشفيات ، ورعاية أبناء السبيل والأيتام
__________________
(١) تاريخ القانون : ١٣٧.