وليس في هذه الرواية دلالة على توقيفية السور أو الآيات ، بل لزوم الضبط في الإقراء ، كي لا تكون كلمة ساقطة منها ، أو محبوبية الكتابة ، وأنّ زيد ابن ثابت كان من كتّاب الوحي كما في الرواية الآتية.
وعن البراء ، قال : «لمّا نزلت : (لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُأُولِي الضَّرَرِ وَالْمُـ جَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال النبيّ : ادع لي زيداً وليجىءْ باللوح والدواة والكتف ـ أو الكتف والدواة ـ ثمّ قال : اكتب (لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ...)»(١).
وهذه الرواية أيضاً ليس فيها أكثر من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) زيداً بأن يأتيه باللوح والدواة وأن يكتب الآية ، ومعناه : أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان لا يترك كلام ربّه بدون كتابة وتدوين.
وبالنتيجة ترشدنا تلك النصوص إلى القول بأنّ وضع الآيات كان أمراً توقيفيّاً وبأمر الله سبحانه وتعالى ورسوله ؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعرف انتهاء السورة وابتداء السورة الاُخرى بنزول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، لكن هذا لايمنع من قرآنية الآيات ووجود اختلاف بين ترتيب التنزيل وترتيب التلاوة ـ أي بين الترتيب التدريجي والترتيب الدفعي ـ مع الاعتقاد بأنّ كِلَيْهِما قُرْآنٌ.
أو قل لا يمنع من الاختلاف الملحوظ في ترتيب مصاحف الصحابة ،
__________________
(١) صحيح البخاري ٤/١٩٠٩ / ح ٤٧٠٤ ، تفسير الطبري ٥/٢٣٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٤ /٢٢٦ / ح ١٩٥١٨ ، عمدة القارئ ٢٠/٢٠ ، وانظر تاريخ دمشق ١٩/٣٠٦ ، إعراب القرآن للنحّاس ١/٤٨٣.