فإنّه كالغذاء للروح ، ولا يزال في نموٍّ إلى أن يصير شهوداً بعد أن كان علماً ، ويتمّ وجود النفس الذي لها من ذاتها وهو عين الإدراك ، فيتعرّض حينئذ للمواهب الربّانية والعلوم اللدنية والفتح الإلهي وتقرب ذاته في تحقيق حقيقتهامن الاُفق الأعلى ، فتدرك كثيراً من الواقعات قبل وقوعها ويتصرّف بقوّة نفسه في الموجودات السفلية ، والعظماء من الصوفية لا يعتبرون هذا الكشف ولا يتصرّفون فيه ولا يخبرون عن حقيقة شيء لم يؤمروا بالتكلّم فيه ، بل يُعِدّون ما يقع من ذلك محنةً ويتعوّذون منه ... إلى قوله :
إنّ التصوّف مبنيٌّ على نظرية الفلسفة الإشراقية التي لا تؤمن بالمنطق بل تؤمن بأنّ الإنسان يمكنه أن يدرك حقائق الأشياء عن طريق النفس الإنسانية المدركة بالذات التي شغلتها عوارض البدن والاشتغال بالحياة المادية ، فإذا ابتعد عن الشواغل الدنيوية وعمل على تصفيه نفسه من الرذائل والتحلّي بالفضائل يحصل له الكشف. أمّا الفلسفة المشّائية فهي لا تؤمن بهذه الطريقة وتعتبر ما يحصل منها خيالات وأوهام ، فهي تؤمن بالمنطق وأنّ المعلومات تحصل بالاختبار والتجربة والاستنتاج. هاتان الفلسفتان كانتا رائجتين عند اليونان في القرون الاُولى ، فلمّا ترجمت علوم اليونان في العهد العبّاسي ترجمت كتب هاتين الفلسفتين إلى اللغة العربية ، فعكف المسلمون على دراسة هاتين الفلسفتين ، فنشأ التصوّف الإسلامي مستنداً بجوهره على الفلسفة الإشراقية مُتَّسماً من حيث المظهر بطقوس الديانة الإسلامية».
أقول :
ويعتبر القرن التاسع الهجري أيضاً من قرون النهضة العلمية في الحلّة ، وقد برز فيه العديد من العلماء والاُدباء الكبار والذين كان من أشهرهم :