حيث إنّها موصلة لكلٍّ من مظاهرها ومنسوباتها إلى الذات الإلهية ، وموضوعهُ الذات الأحدية ونعوتها الأزلية وصفاتها السرمدية وبيان مظاهر الأسماء الإلهية والنعوت الربانية وكيفية رجوع أهل الله تعالى إليه سبحانه وكيفية سلوكهم ومجاهداتهم ورياضاتهم وبيان نتيجة كلِّ الأعمال والأذكار في دار الدنيا والآخرة على وجه ثابت في نفس الأمر ، ومبادؤه معرفة حدِّه وغايته واصطلاحات القوم فيه. قال بعض العارفين : من كان نظره في وقت النعم إلى المنعم لا إلى النعمة كان نظره في وقت البلاء إلى المبلي لا إلى البلاء ، فيكون في جميع حالاته غريقاً في ملاحظة الحقِّ متوجِّهاً إلى الحبيب المطلق ، وهذه أعلى مراتب السعادة».
قال الشيخ يوسف كركوش في تاريخ الحلّة(١) عند ترجمته للشيخ أحمدبن فهد الحلّي واصفاً علم التصوّف :
«إنّ التصوّف هو محاسبة النفس على الأفعال والتروك ومجاهدتها على السير بنمط خاصٍّ في الحياة من خلوٍّ وذكر وتجرّد عن مشاغل الحياة متبعاً آداباً وسنناً قد رسموها للمُريد ، وقد شرح الغزالي هذه الآداب والسنن في كتابه إحياء العلوم وكذلك السهروردي في كتاب عوارف المعارف ، فإذا سارالإنسان على هذا النهج الذي رسموه كما قرّروا ينكشف عنه حجاب الحسِّويطلع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحسِّ إدراك شيء منها.
وقالوا : إنّ الروح إذا رجع عن الحسِّ الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحسِّ وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه ، وأعان على ذلك الذكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) تاريخ الحلّة ٢/٩٥.