فلما كبر وترعرع صار يخاصم مولاه ؛ كما قال تعالى (١) : (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ).
(عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٢)) : هذا تفسير للأكرم المذكور قبله (٣) ؛ فدلّ بهذا على أن نعمة التعليم أكبر نعمة. وخص من التعليمات الكتابة بالقلم ، لما فيها من تخليد العلوم ، ومصالح الدنيا والدين. وقرأ ابن الزبير علم الخط بالقلم.
يا معاشر العلماء ، قد كتبتم ودرستم ، ولو ناقشكم بالمحاسبة لأفلستم ؛ ما يكون جوابكم إذا قال لكم : يا أمّة أحمد ، قد كرّمتم وفضّلتم ، وأعطيتكم ما لم أعطها أمة قبلكم ، وشرفتكم بما شرفت به الأنبياء. أما سمعتم ما قلت لنوح (٤) : (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا). ولكم (٥) : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى). وقلت لإبراهيم (٦) : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) ، ولكم (٧) : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا). وأعطيت العصا لموسى. ولكم قلت (٨) : (قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ). وأحييت على يد عيسى الموتى ؛ وقلت لكم (٩) : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ). وأعطيت الملك لسليمان ، وأعطيتكم الملك ، وخصوصا الملك الكبير. وأحضرت العرش على [٢١٢ ب] يد آصف وأزلفت الجنة لكم. ولئن بشرت يعقوب بريح القميص فقد قلت لكم (١٠) : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ). فبأىّ عمل تدخلوها؟ وبأى نية نويتموها؟ علّمتكم ما لم تعلموا ، وخاطبتكم بما تفهمون ، واستملت قلوبكم لتأنسوا ؛
__________________
(١) يس : ٧٧
(٢) العلق : ٤
(٣) فى الآية التى قبلها (٣) : اقرأ وربك الأكرم.
(٤) هود : ٤٨
(٥) النمل : ٥٩
(٦) الأنبياء : ٦٩
(٧) مريم : ٧٢
(٨) الأحزاب : ٧٠ ، ٧١
(٩) الأنعام : ١٢٢
(١٠) الواقعة : ٨٩