بقوله (١) : سبحان الذى أسرى بعبده [٢١١ ب] ، ولم يقل بنبيّه ؛ لأن العبودية أشرف التحلية.
وإذا تأملت وصف العبودية فى القرآن لا تجدها إلّا لمن يتصف بالطاعة ؛ كقوله (٢) : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً). فما أحسنها من إضافة من محبّ لمحبوب ؛ مرة أضافهم إلى الاسم العظيم ، ومرة إلى الرحمة ؛ وأعظم من هذا أنه أضاف العاصى إلى نفسه ، بقوله (٣) : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ؛ كى لا يقدر إبليس أن يسلبه منه ولا يضرّه ؛ فالذى أضافك إليه مع عصيانك أتراه لا يرزقك؟ أو إن رجعت إليه لا يقبلك؟ أو إن استغفرته لا يغفر لك؟ كلا ، والله ؛ بل يقبلك على ما فيك من العيوب ، فسبحان من خلق الخلق ليرزقهم ، ويظهر قدرته فيهم ، ويميتهم ليظهر قهره ، ويحييهم ليظهر جلالته ، ويدخلهم جنّته ليظهر فضله ، ويعذبهم ليظهر عدله فيهم ونقمته ؛ لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.
(عَطاءً حِساباً (٤)) ؛ أى كافيا ، من أحسبه الشيء إذا كفاه. وقيل معناه على حسب أعمالهم. ويقال أصل هذا أن تعطيه حتى يقول حسبى حسبى ؛ فهناك أعطاهم بغير حساب.
وفى موضع قال (٥) : (كَفى بِنا حاسِبِينَ). وهم المعاملون بالفضل. وفى موضع قال (٦) : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً). وهم من أراد الله أن يعاملهم بالعدل.
(عَسْعَسَ (٧)) : من الأضداد. ويقال عسعس الليل : أقبل ظلامه فى أوله ،
__________________
(١) الإسراء : ١
(٢) الفرقان : ٦٣
(٣) الزمر : ٥٣
(٤) النبأ : ٣٦
(٥) الأنبياء : ٤٧
(٦) الإسراء : ١٤
(٧) التكوير : ١٧