(عَبَسَ وَبَسَرَ (١)) : البسور : تقطيب الوجه ، وهو أشدّ من العبوس. والمراد بهذا الوصف الوليد بن المغيرة لمّا حسده صلىاللهعليهوسلم ولم يدر ما يقول فيه ، وضاقت عليه الحيل عبس فى وجهه ، وقال لما قال له : إن قريشا قد أبغضتك لمقاربتك لمحمد ، ففكّر فى نفسه ، وقال : أقول فيه قولا يرضيهم ؛ فقال : أقول فى القرآن شعر؟ ما هو بشعر. أقول كاهن؟ ما هو بكاهن. أقول سحر ؛ وإنه قول البشر غير منزل من عند الله.
(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٢)) ؛ أى حيث شاءوا من منازلهم تفجيرا سهلا ، لا يصعب عليهم. وفى الأثر : إن فى قصر النبى صلىاللهعليهوسلم فى الجنة عينا تتفجّر إلى قصور الأنبياء والمؤمنين على قدر اتّباعهم له ، وكيف لا وهو منبع الخير الدنياوى والأخروى ، وجميع علومهم متفجرة من علمه صلىاللهعليهوسلم ؛ وهل نال جميع الموجودات من الخيرات إلا من فيض جوده؟ أو هل خلق الله الجنة إلّا من أجله ، فيعطيها من شاء من خلقه. و (عَيْناً) فى الآية بدل من كافور ، على القول بأن الخمر تمزج بالكافور. وبدل من موضع كأس على القول الآخر ، كأنه قال : يشربون خمرا خمر عين. وقيل : هو مفعول بيشربون. وقيل منصوب بإضمار فعل.
قال ابن عطية : الباء زائدة ، والمعنى يشربها. وهذا ضعيف ؛ لأن الباء تزاد فى مواضع ليس هذا محلّها ؛ وإنما هى كقولك : شربت الماء بالعسل ؛ لأن العين المذكورة يمزج بها الكأس من الخمر.
فلتتأمّل أيها الناظر إلى وصفهم بالعبودية وإضافتهم إلى الوصف العظيم ، تعرف بذلك عظيم منزلتهم ، ويشهد لذلك تشريف نبينا صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) المدثر : ٢٢
(٢) الإنسان : ٦