أنا أخوك ؛ وموسى كان متحيّرا غريبا ، فقال الله له : إنى أنا ربك فاخلع نعليك. كذلك العاصى إذا تحيّر فى بعض المعاصى والذنوب ، يقول الله تعالى : إنى أنا الغفور الرحيم ـ يعنى إذا تاب وأقلع.
وقد قدمنا أن الله تعالى وعد بغفران ذنوبه وتبديلها حسنات ومحبّته ودخول الجنة وفلاحه.
فإن قلت : كيف عرفهم هو ولم يعرفوه؟ وعرفه بنيامين؟
والجواب أن يوسف كان وفيّا وإخوته جفاة ، فشؤم الجفاء أعمى قلوبهم حتى لم يعرفوه ؛ لأن الجفاء يمنع المعرفة والصفاء ، جفاء يوسف أثّر فى قلوبهم حتى لم يعرفوه ، فمن جفا مولاه سبعين سنة أو أكثر كيف لا يخاف منه أن يسلبه معرفته وقت النزع ، قال تعالى (١) : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ ...) الآية. وقد صح أن الجفاء يأتى بالغضب ، ويذهب بالعفّة ، ويأتى بالمخالفة ، ويذهب بالمراقبة ، ويأتى بالمنازعة ، ويذهب بالصلح ، ويأتى بالفرقة ، ويذهب بالوصلة ؛ ويأتى بالبغض ، ويذهب بالمودة ، ويجعل صاحبه أجنبيا ، ويذهب بالصلح.
وقيل : إنما عرفهم لأنهم كانوا على صفتهم التى رآهم يوسف أوّلا ، ولم يكن يوسف على الصفة التى كان عليها من الصغر.
وقيل : إن يوسف لم يقطع الرجاء عن رؤيتهم ؛ بل كان يتفكر فيهم ؛ فلذلك عرفهم ، وهم قطعوا الرجاء عن رؤيته ؛ فلذلك لم يعرفوه.
والإشارة فيه أنّ قلب العبد إذا كان مشغولا بمحبة الرب عرفه من غير
__________________
(١) الأنعام : ١١٠